أنا تعبت والله – بقلم رئيس التحرير

في زمنٍ تحوّلت فيه السياسة إلى استعراض، والوعود إلى مواد بــناء لمشروعات لا نسكنها، والمواطنة إلى صفة تُمنح بشرط الصمت، أصبح التعب حالة وطنية عامة. لكن التعب الذي أعنيه ليــس تعب الجسد، بل إنهاك الروح. إنهاك المواطن الذي بات يشعر وكأن الـــحياة تُدار من فــوقه، لا من أجله، تُدار بقــــرارات لا تمر علــــيه، ولا تعود إليه.
لقد صارت “الجمهورية الجديدة” التي يُبشروننا بها مشروعًا بلا مواطنين. جمهورية خرسانية، لا يشغلها من يسكن الحجر، بل من يقص الشريط. جمهورية تُبنى بكاميرات ومؤتمرات، لا بأمان وعــدالة. جمــهورية تهـــتم بطلاء الأرصفة، أكثر من سُبل العيش الكريم. في هذه الجمهورية، ترتفع الأسوار، وتنخفض الدخول. تتضاعف السجون، ويختفي الدعم. تُكرَّم الأرقام، وتُهمل الأوجاع.
الاقتصاد الذي وعدونا بإصــلاحه أصبح كائنًا هائجًا يلتهم ما تبقى من الـقوت، في حين تخرج علــينا الشــاشات الرسمية بخبر عاجل: “الدولة تنمو”. أي نمو هذا الذي لا يشعر به المواطن إلا في فاتورة الكـهرباء؟ وأي رخاء ذاك الذي يُقاس بعدد الكباري، بينما صحن الفول تحوّل إلى رفاهية؟ نتحدث عن الاستثمار، والناس تبـحث عن زيـت وسكر. نحتفل بالمؤشرات، والرواتب لا تصمد أسبوعًا.
أما ما يدعى “رئيس” في هذه الجمهورية، فقد صار راعي كل شيء إلا الناس. حاضرٌ في كل شاشة، غائبٌ عن كل طــابور. يتحدث عن التضحيات كأنها نزهة، وعن الصــبر كأنه مورد طبــيعي لا ينفد. يخاطـــبنا من أعلى، ونحن على الأرض نحصي الخسائر. نسمع وعودًا عن المستقبل، بينما الحاضر يئن بلا دواء، بلا تعليم، بلا أمل.
في مواجـهة هـذه النســخة الرسمية من “الجمــهورية الجديدة”، نعلن نحن تأسيس جمهوريتنا الخاصة. ليست جمهورية إسمنتية، ولا مشروعًا للعرض في افتتاح. بل مساحة حقــ يقية للكلام، للرفض، للمساءلة، جمــهورية تكتب الناس فيها أسماءهم بالحبر، لا بأوامر الدولة. جمهورية لا تتوسّل النجاة، بل ترفع صوتها لتُذكّر من في الأعلى أن من في الأسفل ما زالوا هنا… رغم كل شيء.
في جمهوريتنا، لا يوجد رئيس، بل يوجد رئيس تحرير.
وفي هذا العدد الأول، بصفتي رئيس التحرير، أقولها دون خجل:
أنا تعبت والله، لكن طالما فينا نفس، هنكتب.