عزيزي الموظف.. حمدلله ع السلامة!

عزيزي الموظف

في أيام الأعياد، تهدأ الضوضاء قليلاً. الشوارع تخف، المكاتب تصمت، والناس يبتسمون حتى لو بالكاد. أيام العيد ليست فقط فسحة من الزمن، بل استراحة في الروح. تُغلق فيها دفاتر العمل، وتتوقف الاجتماعات، وتُرفع البنود المفتوحة في البريد الإلكتروني إلى إشعارٍ آخر.

لكن يؤسفني عزيزي الموظف الجميل أن أخبرك أن العيد، ككل شيء جميل في هذا البلد، لا يدوم، وكل حاجة حلوة عمرها قصير، ودا مش كلامي!.

نحن الآن على بُعد ساعات قليلة من العودة. يوم الثلاثاء، ذلك اليوم المظلوم الذي اختارته الدولة بعناية ليكون بوابة العودة إلى الدوام، بكل ما فيه من ذكريات أليمة، بدءا من البصمة مرورا إلى التاسكات المتراكمة على مكتبك، فضلا عن رائحة العرق التي تأتي من بعض الزملاء وتكدر علينا عيشتنا.

إلى من نسوا كلمة “إيميل”

أعزائي الموظفين… أنتم الآن في مرحلة “الإنكار”، وحقك مفيش مشكلة، يمكنك أن تفتح التلاجة بدل البريد الإلكتروني كما يحلو لك، تقرأ مكونات صلصة الطماطم بدل تقارير الأداء. تفتح الواتساب وتبتسم لصورة خروف مبتسم، ناسياً أن مديرك أيضًا بيبعَت صور فيها ضحك، بس آخرها كلمة “انجز يابني وراجع التقرير دا”.

لكن الحقيقة المرة يجب أن أخبرك بها اليوم، بدل من أن تصطدم بها وتلبسها في وشك على غفلة، الحقيقة أن أجازة العيد انتهت، والجميل ما بيكملش. لا تتعود. إوعى تتعود. الرفاهية دي ماحصلتش علشان تدوم، دي جات علشان تذكرك إن هناك حياة أخرى حقيقية بخلاف حياة الشغل، لكن الأصل هو الشغل بالتأكيد، لاسيما مع كونك ابن الصحيفة البار، وابن الدولة البار اللي بيسمع الكلام ويشيل الحمل بدون شكوى أو امتعاض.

مكانك في الساقية موجود!

يوم الثلاثاء مش بس عودة إلى المكاتب، ده عودة إلى الجداول، إلى المهام المتراكمة، إلى الزملاء اللي ناسيين كلمة “صباح الخير” وبيبدأوا كلامهم بإفيه سمج متكرر: “فين العيدية هههههه”

هترجع تصحى بدري من أحلاها نومة، وتلبس هدومك وأنت ممتعض، وتركب الأوتوبيس وانت مش طايق الحر، وتكتم النفس في الأسانسير، وترجع تاني للساقية الجميلة اللي بتدور فيها طول السنة، وعارفاك وعارفها، أنا آسف لو بصدمك بس دا الواقع، اوعى تكون نسيته في الكام يوم أجازة دول!

انت محظوظ خد بالك!

صدق أو لا تصدق، انت محظوظ خد بالك، واحنا أحسن من غيرنا، وكما قال السيد الرئيس عبفتاح السيسي دائما مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق، انت برضو في ناس دلوقتي بيحسدوك، لأنك كنت أجّزت أصلاً. افتكر دائما إن في ناس شغّالة طول العيد، كانت بتقول لنفسها “لما الناس ترجع الدوام، هيرتاحوا”. لا يا سيدي، هنرجع نشتكي سوا.

هنرجع ندوس على المفاتيح، نحرّر الخطابات، ونعيد نفس الإيميل اللي بعتناه الأسبوع اللي فات بس مع تعديل صغير في الجملة الأخيرة.

هنرجع ندّي المواصلات حقها، وندّي المدير أعذارنا، وندّي نفسنا وعد كاذب إن الإجازة الجاية هنتفسح وهنصيف وهنلعب بادل وهنعمل كل حاجة، يدينا ويديك طولة العمر بقى!

من الدولة للموظفين: كفاية دلع

وقبل ما تفرح وتخطط للويك إند الجاي، أحب أفكرك إنك دخلت رسميًا في أطول فترة بلا إجازات في التاريخ الحديث. لا في أعياد وطنية جاية، ولا دينية، ولا حتى مؤتمرات اقتصادية تستدعي تعطيل مصالح الشعب. يعني باختصار: انت شغال لحد رأس السنة، اللهم إلا لو حصل زلزال أو حاجة لا سمح الله طارئة بعيد الشر تستدعي من الحكومة تعلن حدادًا رسميًا.

وبصفتي رئيس التحرير، أوجّه نداءً أخيرًا لكل الزملاء الأعزاء: أرجو منكم، بل أستحلفكم بالله، أن تبذلوا قصارى جهدكم للتعافي السريع من مظاهر التسيب والاستهتار، ومن حالة “البني آدم الطبيعية” اللي غرّقتكم فيها أجازة العيد.
رجاءً لا تتعودوا على العيشة الآدمية المرتاحة، ولا على النوم اللي بييجي من غير منبّه، ولا على الصحوة من غير صريخ المدير في الموبايل. لا تنسوا أن الراحة مش واردة في رؤية 2030، وإن السعادة مش على جدول الحكومة في خطط التنمية المستدامة!

إياكم والانخداع بأكذوبة “الحق في الحياة الكريمة”، فذلك طريق لا عودة منه، ويؤثر سلبًا على الأداء، والانضباط، والقدرة على التطنيش تحت الضغط.

استعدوا أيها الأبطال، لأن الأجازة خلصت، والدوام رجع، والماكينة شغّالة… وإنت أول ترس فيها، وإحنا محتاجينك تلف وتدور، من غير صوت، من غير شكاوى، من غير ما تفكر، عشان ننهض بمصر يا رجالة، ونبني دولة، عارفين يعني إيه دولة .. أيوه أنا بقول .. نبقى أم الدنيا ونبقى قد الدنيا.

ختامًا: عزيزي الموظف… متفكّرش كتير

متفكرش في اللي فات، متستسلمش للحزن، متقعدش تراجع صور العيد وتبكي على اللي فات وعلى الضحكة اللي راحت. قم، اغسل وشك، جهّز شنطتك، والبس أحسن حاجة عندك، لأنك داخل معركة.

الأسبوع ده مش هيعدي بسهولة، وده مش لأنك مش قدّها، لأ خالص… العيب مش فيك. العيب في النظام، في الزمن، في العطلة الطويلة اللي تسببت في اضطراب الإيقاع الوطني العام، لما قرروا نأجّز أربعة أيام كاملين بمناسبة العيد!

وأنا هنا، من موقعي كرئيس تحرير بس بيحب البلد، أكرر طلبي القديم المتجدد: نرجو من الدولة، ومن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيًا، النظر في تقليص إجازة العيد إلى يوم واحد فقط، لا يزيد ولا ينقص.

عايزين نرجع نبني بلدنا بضمير، نرجع نشتغل وننتج، ونتعوّد عالهم تاني من غير فواصل تفسد التركيز وتفتح نفس الموظف على الحياة، كفاية يوم واحد عيد، خلي الموظف يشتاق، لكن ما يرتاحش. خليه يذوق طعم العيد، لكن من غير ما يبالغ في الرفاهية.

بلد بتتبني يا جماعة، ومافيش وقت نضيعه في عيد وعيديات ولمّة عيلة وزياراتا وفسح ومسخرة، إحنا عندنا أولويات، وعندنا وطن.. عارفين يعني إيه وطن؟ يعني حضن!!!