كامل الوزير يخرج عن صمته ويطالب بإقالة المسؤول عن حادث بنات العنب فورا

أخيرا خرج وزير النقل الفريق كامل الوزير عن صمته وضم صوته لأصوات الشعب المكلوم، وأعرب عن بالغ حزنه واستنكاره الشديد لحادث مصرع 18 فتاة من فتيات جمع العنب في محافظة المنوفية، مؤكدًا في بيان مقتضب أنه “لن يهنأ له بال، ولن يغلق له جفن، حتى يعرف من المسؤول عن الكارثة التي أدمت قلوب المصريين جميعًا، ويجعل منه عبرة لمن لا يعتبر”.
وقال معاليه خلال اجتماع طارئ – عُقد أثناء مروره التفقدي بالطريق الدائري الإقليمي – إن ما حدث يعد مهزلة بكل المقاييس، وطالب الوزير بفتح تحقيق موسع وفوري، يشمل كل الجهات ذات الصلة وغير ذات الصلة، مؤكدًا أن حياة المواطن المصري لا تقدر بثمن، وأنه بصفته مواطنًا غيورًا على البلد سيلاحق كل من تورط في هذا الحادث الأليم، حتى لو اضطر للبحث عنهم تحت الأرض أو في طبقات الغلاف الجوي.

المتهم الأول: محافظ المنوفية
“فين المحافظ من اللي بيحصل”، هكذا استهل الفريق كامل الوزير قائمة المتهمين وأشار بإصبع اتهامه الأول إلى سيادة المحافـظ مستنكرًا اختفائه في لحظة كانت تستدعي حضوره وسط الأهالي، لا في المؤتمرات المغلقة. وسأل بحزم: “هل يُعقل إن محافظ يكون مسؤول عن أرواح ملايين، ويسيب عنده طريق مش ممهد، مفهوش إشارات، ولا حتى مطب مطمئن، ولا يافطة تقول للسائق: امسك فرامل، دا الطريق بيودي على الآخرة؟”.
وأضاف: “يعني يا حضرة المحافظ، لو الطريق دا قدام فيلتك، كنت هتسيبه كدا؟”، مؤكدًا أن غياب التخطيط والرؤية أدى لتحول الطرقات من شرايين حياة إلى شواهد قبور. وتساءل في نبرة تهكم: “امتى هنقدر نحاسب مسؤول في البلد دي ولا هو كل حاجة هنقول قضاء وقدر؟”.
وختم الوزير مداخلته بأن المحافظ يتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية، حتى وإن لم يكن هو السائق أو صاحب الميكروباص أو جامع العنب، لأنه سمح للبنات يخرجوا للشارع على طرق تتسابق فيها سيارات الموت بهذا الشكل.

المتهم الثاني والثالث: سواق النقل وسواق الميكروباص
أما السائقان المتورطان في الحادثة، فقد كانا على رأس قائمة الاتهام بالطبع التي لوّح بها كامل الوزير وتحديدا بإصبعيه الثاني والثالت غاضبًا، وخصوصًا بعدما بلغ الاستهتار بالبشر مرحلة الركوب في نعوش متحركة. الوزير قالها بصراحة: “هو احنا خلصنا من إهمال سواقين القطارات، جينا بقى على إهمال سواقين الميكروباصات؟ هو الغلط بقى سِلسلة؟ ولا العشوائية دي بقت سُنّة؟”.
أشار الوزير إلى أن سائق الميكروباص ارتكب جريمة مكتملة الأركان، لأنه حمل عدد ركاب أكثر مما ينبغي وكلهم قُصّر، وبلا حزام أمان ولا أي اشتراطات سلامة، مضيفا “انت لو عندك قلب حجر، كان المفروض تحس إنك سايق أرواح، مش أجولة بطاطس”، أما سائق النقل، فتمت الإشارة إليه باعتباره “نموذجًا حيًا للسرعة القاتلة”، حيث قال الوزير: “ماشي كأنه في سباق رالي صحراوي، وسايب العربية تتفلت كأنه بيجربها لأول مرة، ولا كأنه شاريها من مزاد خردة ونازل بيها تجربة”، وشدد الوزير أن “الاستهانة دي مش فردية، دي منهج، واللي سايب السواقين دول يشتغلوا بالطريقة دي لازم يتحاسب قبلهم، عشان نكسر السلسلة دي، ونفهم إن المواطن مش فريسة ولا تجربة في لعبة سباق موت”.
المتهم الرابع: المجلس القومي للطفولة والأمومة
كامل الوزير لم ينسَ أن يوجه سلاح الانتقاد إلى المجلس القومي للطفولة والأمومة، قائلًا بنبرة حادة وهو يشير بإصبعه الرابع: “يا ترى فين المجلس من اللي حصل؟ نايمين في العسل؟ البنات دي قُصر، وبيشتغلوا من الفجر في حقول العنب، وسط حر وطراب وسموم، ولا تأمين ولا حماية ولا حتى مظلة”. وأكمل: “لو كانوا بيلعبوا على السوشيال ميديا أو بيصوروا تيك توك كانت الدنيا قامت، لكن لأنهم بيشتغلوا في الزرع، اشتغلت الآذان عن السمع وغُض الطرف عنهم”.
وأضاف الوزير أن عمل الفتيات في هذه السن وبهذه الطريقة ليس فقط جريمة اقتصادية، بل كارثة اجتماعية وإنسانية، تُدين كل من سمح أو سكت أو تجاهل. “إيه فايدة المجلس لو سايبين أطفال يشتغلوا شغل الكبار؟ إيه دورهم غير إصدار بيانات مشفرة وتعليقات فاترة؟”، وتساءل: “فين الحملات اللي كانت بتطلع زمان توعي ضد تشغيل الأطفال؟ فين التفتيش؟ فين المتابعة؟ ولا بنتحرك بس لما يكون في كاميرا أو مؤتمر؟”.
وتابع الوزير: “البنات دي مش أرقام في إحصائية، دول أرواح راحت، وذنبهم في رقبة كل مسؤول سايب كرسيه دافي وعايش في تكييف، وسايب العيال يشتغلوا في العنب ويلاقوا مصيرهم على الأسفلت”.

المتهم الخامس والسادس: وزير التموين ووزير الاقتصاد
لم ينسَ كامل الوزير أن يمرّر إصبع الاتهام الخامس والسادس ناحية زميليه في الحكومة، وزير التموين ووزير الاقتصاد، وقال بمنتهى الوضوح لوزير التموين: “أنتم السبب يا جماعة. الدعم اللي بتقطعوه عن الناس مش بس بيخليهم ما يعرفوش يجيبوا زيت وسكر، دا بيخليهم يبعثوا بناتهم يشتغلوا وهم لسه أطفال. بدل ما الدولة تطبطب، بقت بتحدف الأسر في حضن الحاجة، والحاجة لما تيجي، بتجيب وراها الموت”.
وأشار إلى أن غياب شبكة أمان حقيقية وخفض عدد المستفيدين من البطاقات التموينية، ووضع شروط شبه مستحيلة عشان تفضل على قاعدة البيانات، كل دا مش مجرد سياسة، دا بقى تهديد مباشر لحياة ناس ماعندهاش بدائل.

وبعدين لف وجه الكلام إلى وزارة الاقتصاد، وقالها بحدة: “هو أنتم فكرتم في المواطن وهو بيقع تحت ساطور الرأسمالية الوحشية اللي شجعتوها؟ الأسعار بتهري، الأجور ثابتة، والفلاح بيصرخ. لما عامل اليومية بقى بيطلب أجر معقول، الفلاح ماقدرش عليه، راح جاب بنات عندهم 15 سنة يشتغلوا، يشيلوا صناديق ويحصدوا، لأنهم أرخص، ومابيطلبوش حاجات كتير”، وأضاف: “يعني أنتم ضغطتوا على الفلاح بسياسات اقتصادية كلها حرية سوق من غير أي رحمة، وفي الآخر لما تحصل الكارثة، بنسأل البنت كانت رايحة فين؟ طب أنتم سألتم نفسكم هي راحت ليه من الأساس؟”.
وشدد الوزير الوزير أن “اللي حاصل دا مش حادث فردي، دا نتيجة طبيعية لسلسلة قرارات بتحول المواطن من بني آدم إلى عبء اقتصادي، ولو مات على الطريق يبقى خفّ الحمل شوية عن الموازنة العامة”.
المتهم السابع: وزير الزراعة
وعن المتهم التالي، أشار الفريق كامل الوزير باصبع الاتهام السابع إلى وزارة الزراعة، وطرح سؤالًا مصيريًا على وزارة الزراعة: “هو أنتم زرعتوا العنب ليه؟”، وتابع: “يعني مش عارفين إن زراعة العنب في الصيف بتخلق أزمة موسمية؟ البنات بيبقوا في الإجازة، مفيش مدارس، ومفيش مصيف لأن الفلوس مش مكفية، فيقوموا يشتغلوا في جمع العنب. طب ليه؟ ليه نحط العنب في طريق البنات؟ ليه نزرع حاجة محتاجة تتجمع أصلاً؟”.
وتابع مستنكرًا: “فين الخطة الزراعية يا وزارة الزراعة؟ فين دراسات الأثر الاجتماعي لمحاصيلكم؟ هو لازم نزرع حاجات تتلم؟ مش ممكن نزرع حاجات تتساب؟ زراعات لا تُمس مثلاً؟”، مضيفا أن “المفروض الوزارة تفكر في الزراعة كجزء من المنظومة الأمنية والاجتماعية، مش كأنها طماطم وبطاطس وخلاص. يعني لو زراعة العنب بتؤدي لخروج البنات من البيت عشان يشتغلوا في الشمس والطرقات والموت بيستناهم، يبقى لازم نعيد النظر فورًا، ونشوف محاصيل بديلة مش بس على قد الطقس، لكن على قد ظروف المجتمع”.
ثم ختم الوزير بنبرة حاسمة: “من النهارده، لازم تكون كل زراعة في مصر محسوبة بعدد الأرواح اللي ممكن تروح بسببها. العنب؟ اتلغى. المانجا؟ تحت الدراسة. والفول؟ محتاج لجنة أزمة. كفاية بقى زراعات بتفتح علينا أبواب المصايب، خلوا عندكم دم، مش كل خضار يتزرع!”.

المتهم الثامن: وزيرة البيئة
ولأن الكارثة، في نظر كامل بيه الوزير، لا تقتصر على طرق ولا مواصلات، بل تمتد لتشمل عناصر الطبيعة نفسها، وجه إصبعه الثامن ناحية وزارة البيئة، متسائلًا: “فين الرقابة البيئية؟ هو الجو دا ينفع نِسوان وبنات يشتغلوا فيه؟ فين التوعية؟ فين حملات التحذير من درجات الحرارة المرتفعة؟ فين التقارير اللي تقول إن الشمس دي قاتلة؟”.
وأردف، متأثراً: “ازاي البنات تلم العنب في عز الظهر، من غير قبعة، من غير شمسية، من غير أي حاجز يحميهم من التلوث أو الضربات الشمسية، دا غير العناكب والدبابير اللي بتبقى في الكروم!”، وتابع غاضبًا: “هو إحنا بنهتم بالبجع في المحميات أكتر من بناتنا؟ هو الوزارة مش شايفة إن بيئة العمل دي غير آدمية؟ فين المسح البيئي؟ فين معايير السلامة؟ أنتم وزارة البيئة ولا وزارة التغافل وقلة الحيا؟”.
وختم قائلاً: “لما البيئة تسكت، يبقى مين يصرخ؟ دا مش بس فساد إداري.. دي قلة أدب ووقاحة وانعدام مسؤولية”.
المتهم التاسع: وزير الداخلية
ثم جاء الدور على وزارة الداخلية، التي لم تسلم من تحقيق الوزير الميداني وتحديدا اصبعه التاسع، إذ أبدى دهشته العميقة قائلًا: “فين الداخلية؟ فين الناس اللي المفروض تؤمن الطرق؟ ولا البنات دول مش تابع اختصاصكم؟ مش فاهم والله، وتابع: “طريق الموت مافيهوش رادار، ولا نقطة شرطة، ولا شاويش حتى بيشرب شاي، وكأننا في صحراء مهجورة مش في قلب الدلتا. البنات كانوا في ميكروباص متهالك، وماشيين جنب عربيات نقل تقيلة، وكل دا من غير أي رقابة”، وأضاف وهو يهز رأسه بأسى: “اللي حصل دا مش حادث، دي جريمة إدارية كاملة الأركان، والمسؤول الأول فيها هو الغياب التام لأي رقابة مرورية. لو كان في ظابط واحد واقف على الطريق، يمكن كان شاف الزحمة، أو وقف العربية، أو حتى سأل البنات رايحين فين”.

المتهم العاشر وزير الخارجية
وفي نهاية جولته التفتيشية داخل كتالوج الوزارات، اختار كامل الوزير أن يضع إصبعه العاشر والأخير على وزارة الخارجية، قائلًا بحدة: “فينكم يا وزارة الخارجية؟ فين صوت مصر اللي المفروض يدوّي في العالم كله؟ هو إحنا بلد مالهاش علاقات عامة؟ مالهاش متحدث رسمي يحكي للعالم إن عندنا كارثة؟”.
ثم استشهد مستفزًا العقول والضمائر: “دول بتعمل مؤتمرات وتحقيقات دولية لما طفل يقع من على بسكليتة، وإحنا 18 بنت، 18 روح، 18 مستقبل ماتوا على الأسفلت ومافيش حتى بيان شجب؟ ماقلناش تعملوا حداد في الأمم المتحدة، بس بيان بسيط بالإنجليزي كان يفرّق معانا، يوضح إننا مش ساكتين، وإن أرواح البنات دي مش أرقام عابرة في تقرير”.
وتابع الوزير الجامد قائلا: “كان المفروض تبعتوا لسفاراتنا في أوروبا تقولهم إن دا مش الحادث الأول، وإننا حاطين خطة خمسية لتقليل عدد الجثث في الطرق. على الأقل نكسب تعاطف، يمكن حد يبعت لنا منحة طرق أو كود أخلاقي”، وختم كلماته بنبرة تتهكم على الأداء الخارجي قائلاً: “يمكن أنتم مشغولين بالرد على كلام فاضي ومعارك فارغة زي سد النهضة ولا المعونة الأمريكية، بس معلش كان البنات أهم. كانوا يستاهل صورة على تويتر فيها علم مصر منكس ولا حداد ولا أي حاجة، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم”.
طب ووزارة النقل؟
المثير للدهشة أن كامل الوزير، وسط سيل اتهاماته الذي شمل كل الوزارات من الزراعة إلى الخارجية، لم يأتِ على ذكر وزارة النقل ولو بحرف واحد. لم يخطر بباله أن الطريق المنكوب من اختصاصه، أو أن الميكروباص والنقل الثقيل خاضعون لرقابة مرورية تابعة له، أو أن التخطيط الهندسي العشوائي للطرق الريفية يدخل في صميم مهام وزارته.
وعندما سأله أحد الصحفيين باستحياء: “معالي الوزير، طب ووزارة النقل؟” ردّ مبتسمًا بثقة لا تهتز: “مبدئيا أرفض هذا الاتهام الذي يردده أعداء الوطن والخونة والإخوان والماسونيين وغيرهم، لكن على كل حال دعني أقولك إن أصابع الاتهام العشرة خلصت وأنا عاددهم قدامك، مكانش فاضل لينا ولا صباع. وبعدين وزارة النقل مشغولة حاليًا بأكثر من 82341 طريق قومي و6 أنفاق تحت قناة السويس و43 كوبري في الصعيد ولسّه هنفتتح لفة دوران جديدة في زاوية أبو النجا ولفة أخرى في طريق بهتيم”.
ثم أضاف بتواضع مصطنع: “مينفعش كل ما تحصل مصيبة نقول نقل نقل نقل ونردد كلام أعداء الوطن والخونة وأهل الشر، إحنا لازم نبص للمنظومة ككل، إحنا في دولة مش في ورشة ميكانيكا! واللي بيحب البلد، مايدورش على شماعات، يدور على حلول، وأنا أول واحد مستعد أشارك في الحملة بنفسي”.