مصطفى مدبولي: الإيد الساندة أحسن من الإيد الساجدة

مصطفى مدبولي سد النهضة

في عالمٍ يحكمه منطق المصالح لا المبادئ، ومنصات المصافحة لا منصات المواجهة، اختار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، أن يكتب فصلًا جديدًا في كتاب فن إدارة الأزمات الكبرى: مصافحةٌ حارة مع أبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا ورجل سدّ النهضة

عشر سنوات من التفاوض، الوعود، البيانات، والخداع المتبادل تذوب فجأة في لقطة واحدة، يدٌ تشد على يد، وابتسامةٌ تتسع لتبتلع كل التصريحات السابقة التي كانت تؤكد على “الخط الأحمر” و”الحقوق التاريخية” و”الأمن القومي المائي”.

لكن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لم يتأخر كثيرًا في تقديم التفسير، ففي بيان رسمي، قال الدكتور مصطفى إن هذه المصافحة “لا تعني شيئًا”، – مجرد بروتوكول – مشهد عادي في سياق التزامات شكلية، لا يحمل أي دلالة سياسية ولا يُعبّر عن أي تغير في الموقف المصري من سد النهضة.

ومع ذلك، لم يفلح التفسير – كعادته – في تبديد مشاعر القلق، أو كبح سيل السخرية التي اجتاحت منصات التواصل، إذ كيف يمكن لمصافحة أن تكون بلا معنى، بينما يد صاحبها هي من أغلقت صنبور النيل عن مصر؟ كيف يمكن لبروتوكول أن يُجبر دولة على مد اليد، لا للماء، بل لمن منعه؟

فأهلاً بكم في مرحلة جديدة من إدارة الملفات: مرحلة المصافحة الاستراتيجية.

البروتوكول أولًا

حين تتشابك أيادي الزعماء، فلا تسأل عن التاريخ، ولا الجغرافيا، ولا حتى عن عدد المرات التي امتلأ فيها السد الإثيوبي دون اتفاق، اسأل فقط: “هل كان البروتوكول يُلزِم بذلك؟”  ففي قواميس الدبلوماسية المصرية الجديدة، المصافحة لا تعني المصالحة، والابتسامة لا تُترجم بالضرورة إلى ليونة سياسية، هذا ما أكده الدكتور مصطفى مدبولي صراحةً، حين قال إن ما حدث بينه وبين أبي أحمد مجرد “بروتوكول رسمي”، كأن الدولة المصرية تقف الآن تحت مظلة “إتيكيت المصائب الوطنية”.

صرّح مصدر مسؤول – طلب ألّا يُذكر اسمه – أن البروتوكول الجديد ينص على وجوب المصافحة كلما اقتربت الكاميرات، وضرورة الابتسام، لأن الصورة أهم والمنظر العام أفضل، و”الإشارة” أهم من الموقف، وأضاف المصدر أن البروتوكول ذاته يُلزم المسؤول المصري بعدم التلويح بالإجراءات، حتى لا يُفسر ذلك على أنه تهديد

مصطفى مدبولي.. نجاحات غير مرئية

في ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجهها مصر، لا يمكننا أن نحكم على النجاح بمقاييس تقليدية كالمياه المتدفقة أو الاتفاقيات الموقعة، فقد دخلت الدولة مرحلة جديدة من الإنجاز: النجاح غير المرئي.

صحيح أن المفاوضات مع الجانب الإثيوبي لم تسفر عن اتفاق شامل وملزم، وصحيح أن الملء الرابع تم رغمًا عن إرادة مصر ثم الخامس ثم إلى مالا نهاية، وصحيح أن نهر النيل يذبل، لكن كل ذلك لا ينفي أن هناك تحركات مكثفة، وتنسيق عالي المستوى، ورؤية استراتيجية طويلة المدى لا تراها العين، لكنها تعمل بصمت. 

وقد صرّح المتحدث الرسمي لوزارة الري أن مصر نجحت في إحراج إثيوبيا أمام المجتمع الدولي، وأن صمت القاهرة الذكي جعل أديس أبابا في موضع الدفاع، ولو كان ذلك لا يمنعها من البناء والملء، ولكن تخيل لو لم يمسك مصطفى مدبولي بيد أبي أحمد؟
وأضاف: “أن تجعل خصمك يصمت كثيرًا هذه وحدها ضربة دبلوماسية”.

كما لفتت مصادر إلى أن مصر تمارس منذ سنوات ما يُعرف بـ”الردع الرمزي”، إذ ترسل رسائل ضمنية مشفّرة من خلال عدم الرد، لأن الصمت أيضًا نوع من الضغط، وإن لم يكن يروّي الأرض العطشى.

الشعب المصري: أزمة سد النهضة؟ الحب أولا 

في لحظات الأزمات الكبرى، تختلف الشعوب في أولوياتها، شعوب تسأل: “فين المياه؟”، بينما الشعب المصري، بحضارته الممتدة منذ آلاف السنين، يسأل: “هل الحب أولى من الماء”، ففي الوقت الذي استقبل فيه رئيس الوزراء الإثيوبي بابتسامة ممتدة على مدى بروتوكولي، لم يهتم المصريون إلا بالتفصيلة: الإيد اللي اتشبكت ولحظة الحب أمام الكاميرا!

الغريب في الموضوع أن أغلب المصريين، رغم أزمة المياه الحادة اللي بتهدد حياتهم، مش همّهم الأساسي في اللحظة دي هو كمية المياه ولا الأزمة اللي بتزيد كل يوم، لكن على العكس تمامًا، همّهم هو قصة الحب اللي شفوها مابين مصطفى مدبولي وأبي أحمد!

ناس بتقول في شوارع القاهرة:
“أنا عارف مفيش ميه، بس المهم إيد أتمدت بالخير للناس و ده اللي احنا اتربينا عليه!
ده حتى على مستوى الجيل الجديد، اللي شغال على التريندات والفيديوهات السريعة، أكتر حاجة انتشرت كانت “ميمات” المصافحة، وحملات دعم إعلامي للسيسي والبرلمان المصري على “الحنية الدبلوماسية”، مش على إدارة ملف المياه.

أما الإعلام المصري، فهو بيفرح بالمشهد ده بشكل واضح، وهنا رأي بعض الإعلاميين ومنهم الإعلامي والصحفي محمد الباز الذي قال:
“المصريين مش فارقلهم الميه بقدر ما فارقلهم الحب والتكاتف، وده اللي إحنا بنحاول نوصله لهم. المصافحة دي رسالة سلام داخلي قبل أي حاجة.”

رائد الإعلام الداعم للدولة لؤي الخطير قال:”أزمة المياه هي أزمة فعلاً، لكن الأزمة الأشد هي أزمة الثقة، واللحظة دي كانت محاولة لترميم الثقة بين المصريين والحكومة، الحب بيدفن الأزمات والثقة بتولد الحلول اللي من خلالها هنحل أزمة سد النهضة”

الشعب المصري، صار فعلاً يهتم أكثر بـ”قصة الحب السياسي” و”لغة الجسد الدبلوماسية” عن أي مشكلة مادية ملموسة، وده برغم إنهم بيعانوا من قلة المياه في بيوتهم، وهو ما يؤكد أن في مصر، الحب أولًا.