رجالة الفوتوشوب.. بندور على حد أمين يطبع لنا دولارات!

وصل إلى بريد قراء “الجمهورية الجديدة” اقتراح غريب لكنه لا يخلو من منطق، أرسله مواطن فضّل عدم ذكر اسمه، يقول فيه إنه كان يتصفّح فيسبوك كالعادة، قبل أن تتوقف عيناه على جملة صور لأشخاص عاديين تحوّلوا بلمسة فنية ساحرة إلى نجوم سوشيال ميديا، منهم من خضع لعملية تصغير دقيق لأنفه، ومنهم من ألبسوه بذلة كاملة وربطة عنق مخصصة لـ”السي ڤي”، وآخرين تَمّ نقلهم حرفيًّا، إلى برج إيفل أو الهرم أو على طيارة خاصة.
“أنا شوفت شاب معدي الأربعين، خلوه في الصورة ماسك شهادة من جامعة هارفارد، والكل بيباركله”، يقول المواطن، وكل شوية حد ينزل بوست يقول: “رجالة الفوتوشوب اعملوا كذا، أو حبايبنا بتوع الفوتوشوب اعملوا كذا، وهنا فكرت ساعتها ليه بنستخدم الفوتوشوب في الهيافة بس؟ ما إحنا ممكن نستغل المواهب دي ونطبع دولارات”.
ويتابع: “يعني عندنا ناس بتفبرك بطولات، فمش صعب عليها تفبرك عملة”، ويقترح أن تتحول هذه القدرات الفردية إلى مشروع قومي جديد: “طباعة العملة الأجنبية باستخدام أدوات الجرافيك”.
الحقيقة أن الاقتراح، وإن بدا هزليًا في ظاهره، يفتح الباب أمام نقاش جاد حول الكفاءات المهملة في البلاد، تلك العقول التي تعرف جيدًا كيف تُمسك بـ”أداة القص”، وتدمج الخلفيات وتضبط الظلال، لكنها تُستخدم اليوم في “لبس المولود هدوم ماركات” بدلاً من توظيفها لخدمة الاقتصاد الوطني. لدينا بالفعل طاقات بشرية تعرف كيف تُقنعك أن العريس كان في نيويورك وهو بالكاد خرج من إمبابة، أو أن الطفلة احتفلت بعيد ميلادها مع ميني ماوس رغم أن الصورة مأخوذة في كشك تصوير.
فوائد اقتصادية: كيف نربح من الفوتوشوب؟
لو نظرنا للموضوع بجدية كافية مع قليل من التغافل القانوني، فسنكتشف أن “الفوتوشوب” لا يقل عن البترول كمصدر للعملة الصعبة. فبدلًا من طباعة أوراق نقدية عالية التكلفة بطرق معقدة ومكشوفة، يمكن الاعتماد على محترفي “الريتاتشتج المصري” في إنتاج نسخ دولارات بدرجة دقة تقلب ميزان السوق، وربما تعيد تشكيل الاحتياطي النقدي بالكامل.

تخيل مثلًا أننا شكلنا هيئة وطنية تحت اسم “الهيئة العامة لتنسيق العملات الرقمية البصرية”، تضم صفوة المصممين من جروبات “حبايبنا بتوع الفوتوشوب”، وتكليفهم بإنتاج دفعات يومية من الدولارات بمقاسات مختلفة. في البداية نبدأ بالفئة المحببة للجمهور، وهي فئة الـ50 والـ100، ثم نوسع الإنتاج لاحقًا حسب احتياجات السوق.
المميزات؟ كثيرة. أولًا، تقليل الاعتماد على طباعة الجنيه الذي أصبح مملًا بصريًّا ولا يليق بـ”جمهورية السيسي الجديدة”. ثانيًا، ضخ دولارات عالية الجودة في السوق الداخلي دون المرور على تعقيدات التحويل البنكي وسعر الصرف الرسمي. ثالثًا، توظيف آلاف الشباب العاطلين من محترفي التصميم الحر، وتحويلهم إلى “خبراء ماليين” بمقابل مُجزٍ ووطني.
أما رابعًا، والأهم، فهو ما وصفه أحد المؤيدين للمبادرة بـ”الضرب تحت الحزام”، أي الرد الاقتصادي الإبداعي على العقوبات الخارجية وبلطجة الدولار أمام الجنيه وكل شوية عمال يطلع يطلع، لكن باستخدام أدوات سلمية وشرعية طالما أمريكا لم تكتشفها بعد.
خطة توزيع سرية.. وسعر الصرف يفضل زي ما هو
لكننا كالمعتاد، لا نرغب في ضجة إعلامية أو تصعيد دولي. لذلك، نقترح تنفيذ الخطة تحت عنوان فرعي داخلي: “خطة الإخفاء الاستراتيجي”.
تبدأ الخطة بالإنتاج المحدود، ثم يتم توزيع النسخ الجديدة من الدولارات داخل بطاقات التموين، على شكل كوبونات رقمية مخفية في كيس المكرونة، أو مطبوعة داخل غلاف علبة الجبنة. يحصل كل مواطن على 50 دولار شهريًّا، ما يعادل أكثر من 2500 جنيه بسعر السوق الحر، وهو ما يكفي لسداد أقساط أو جمعيات أو شراء لحمة وفراخ وحتتين هدوم جداد.
لكن في المقابل بالطبع، سيظل السعر الرسمي للدولار ثابتًا كما هو، كي لا تثير الخطة الشكوك. أما بالنسبة للبنك المركزي، فيمكنه ببساطة إصدار بيان يؤكد أن كل ما يتم تداوله على الإنترنت “عبارة عن صور مفبركة لا أساس لها من الصحة”، وهي جملة نستخدمها منذ سنوات ولم تخذلنا يومًا والله العظيم حتى الآن.
ولأمان العملية، يتم الاعتماد على شبكة من “حبايبنا بتوع الفوتوشوب” المعروفين بالسمعة الطيبة أو على الأقل بعدم تسريب الصور الشخصية للناس، لضمان الحفاظ على سرية التداول، ومتابعة حركة “الدولار الافتراضي” من التصميم إلى الجيب.
مبادرة طموحة.. بس خلي الكلام بيننا
نحن نعلم أن المبادرة قد تبدو مستفزة للبعض، وربما غير قانونية للبعض الآخر، لكن لا أحد ينكر أن هناك شيئًا عبقريًا في استغلال الطاقات الموجودة بدلًا من استيراد حلول من الخارج. ومثلما استطاع الفوتوشوب أن يحوّل المواطن البسيط إلى نجم صفحات الزواج، أو لاعب كرة في مانشستر سيتي، فإن بوسعه أيضًا أن يحولنا جميعًا إلى مالكي دولارات ونقب بقى على وش الدنيا حرام عليكو.
المهم، ألا نُعلن عن الخطة رسميًا. فنجاحها يتوقف على سرية التنفيذ، وثقة المتابعين. لهذا، نهيب بكل من يقرأ هذا التقرير أن يتعامل معه باعتباره “بيننا”، ولا يُسربه لوكالات الأنباء أو للجهات الأجنبية، خاصة أننا بدأنا في تصميم النسخة الأولى من مائة دولار إصدار حبايبنا بتوع الفوتوشوب في العجوزة.