مصطفى مدبولي للشعب المصري: طبّلي وأنا هزمرلك!

مصطفى مدبولي

في زمنٍ تتشابك فيه التحديات وتتسارع الأحداث بوتيرة غير مسبوقة، يقف الوطن على مفترق طرق حاسم، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في نسيج معقد يصعب فصله، وسط هذا الواقع المضطرب، يخرج الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، ليؤكد على أن النقد ليس فقط حقًا أصيلًا لكل مواطن مصري، بل هو أيضًا مسؤولية عظيمة تتطلب وعيًا وحكمة في التعامل.

غير أن مدبولي لا يتوقف عند هذا الحد، بل يسلط الضوء على ضرورة أن يتحول هذا النقد إلى عنصر فاعل في تشكيل صورة إيجابية عن مصر، داخليًا وخارجيًا، بعيدًا عن التشكيك الذي قد يضر بالجهود الوطنية.

ففي هذا الزمن الذي يشهد معارك متعددة المستويات، ليست فقط على الأرض والميدان، بل على صعيد الإعلام والسياسة والحرب النفسية، تتجلى خطورة ما يسميه حروب الجيل الرابع والخامس ولحد العاشر وقول زي ما انت عايز تقول”. هذه الحروب لا تستخدم الأسلحة التقليدية، بل تستهدف استنزاف الروح المعنوية للمواطنين – أو كما قال رئيس الوزراء – ، من خلال بث رسائل اليأس والإحباط التي تقوض أساس الوحدة الوطنية وتضعف قدرة المجتمع على مواجهة التحديات. 

و في هذا السياق يقول الدكتور مصطفى مدبولي أن المعركة التي يخوضها الشعب المصري ليست مجرد تحدٍ اقتصادي أو سياسي، بل هي معركة وجود تهدف إلى استنزاف إرادة الأمة من الداخل، لتتركها عرضة للفرقة والانهيار.

وهنا يصبح دور كل مصري في الحفاظ على تفاؤله، ودعم جهود الدولة، ومواجهة حملات التشكيك والشكوى، أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالنقد الإيجابي هو الطريق الوحيد الذي  يمكن أن يقود مصر نحو مستقبل مشرق، يليق بتاريخها العظيم وطموحات شعبها.

الإيجابية.. واجب وطني

لم يعد التفاؤل في مصر ترفًا نفسيًا أو خيارًا شخصيًا يُترك لتقدير الفرد، بل أصبح في ظل توجهات السيد الرئيس رئيس الجمهورية الجديدة واجبًا وطنيًا لا يقل أهمية عن الالتزام بالقانون أو دفع الضرائب، ففي وطن يواجه مؤامرات متعددة الأبعاد، تتطلب المرحلة أن يكون كل مواطن جنديًا في معركة الصورة الذهنية، المواطن هنا لا يُطلب منه فقط أن يتحمّل، بل أن يبتسم وهو يتحمّل، أن يهلّل أثناء رفع الدعم، ويقول “الحمد لله” عند قراءة فاتورة الكهرباء.

وتؤكد الحكومة، وعلى رأسها الدكتور مصطفى مدبولي، أن المشاركة في بناء الدولة لا تقتصر على المشروعات القومية أو تحمل الأعباء الاقتصادية، بل تمتد إلى بناء المزاج العام، فالمصري الإيجابي، حسب الرؤية الرسمية، هو الذي يرى نصف الكوب الممتلئ حتى لو لم يجد كوبًا من الأساس، هو الذي يصدق أن “العاصمة الإدارية” ستحل له أزمة السكن، وأن “الجنيه هيقوى” لأنه سمع ذلك من الأستاذ أحمد موسى وأن الأوضاع تتحسن لأن السيد الوزير كامل الوزير قال كده.

المنطق الحاكم هنا واضح: إذا لم تستطع أن تساعد، فلا تنتقد، وإذا أردت أن تنتقد، فتأكد أولًا أنك تحب الوطن، أما إذا شعرت بالإحباط، أو قررت أن تعبر عن معاناتك، فغالبًا هناك شك في وطنيتك، أو على الأقل في نيتك الطيبة.

الإيجابية أصبحت الآن بمثابة أداة مقاومة شعبية ضد الإخوان، وضد الإعلام المعادي، وضد “قوى الشر” التي يبدو أنها تتغذى على زفرات الغلابة. 

مصطفى مدبولي.. درع التفاؤل الوزاري

في كل دولة هناك وزراء للاقتصاد، وآخرون للتخطيط أو للنقل، لكن في الجمهورية الجديدة لدينا ما هو أهم: وزير أول لمقاومة الإحباط، ودرع وطني للتفاؤل الاستراتيجي.. اسمه الدكتور مصطفى مدبولي.

فمنذ توليه رئاسة الحكومة، حرص مدبولي على أداء مهمته الجديدة: تصريف الصدمات بنبرة مطمئنة، وتحويل الأزمات إلى فرص بالإيحاء لا بالأرقام، كل مرة يرتفع فيها الدولار، يخرج ليتحدث عن استثمارات قادمة من المريخ، وكل مرة يئن فيها المواطن من الأسعار، يؤكد أن “الإصلاح يؤتي ثماره، بس صبركم علينا شوية”.

مصطفى مدبولي

لكن مدبولي لا يُلقي التصريحات بعشوائية، بل بمنهجية مدرسية تعتمد على تقسيم الرسائل إلى:
– رسائل طمأنة غير قابلة للقياس
– رسائل تحذير من المؤامرات
– رسائل حشد نفسي تحت شعار: “إحنا أحسن من سوريا والعراق”
والاخيرة دي مقتبسها من سيادة الرئيس معروفة طبعا. 

وقد تطور دوره مؤخرًا، فلم يعد فقط واجهة تنفيذية للقرارات، بل صار هو نفسه أحد أدوات الهندسة النفسية للشعب، فمن خلال ظهوره الدوري، يذكّر المواطنين بأن القادم أفضل، وأن التضحية لازمة، وأنهم أقوياء كفاية لتحمل 30% تضخم طالما أن العاصمة الإدارية تضئ ليل الوطن بالنجاح.

وبينما ينشغل المواطن بسعر البيضة وكيلو اللحمة، يتفرغ مدبولي للتأكيد على أن الصورة الذهنية لمصر مهمة جدًا، وأننا نحارب في معركة الوعي. 

المواطن المُحبط.. عميل محتمل

في أدبيات الجمهورية الجديدة، لم يعد الانتماء يُقاس بالبطاقة الشخصية أو محل الإقامة أو الخدمة العسكرية، بل أصبح معيار المواطنة الحقيقي هو درجة التفاؤل الإجباري التي يحرص عليها الفرد في كل لحظة من يومه، المواطن الذي يعبّر عن قلقه، أو يطرح تساؤلات عن الغلاء، أو حتى يقول “مش مكفياني”، لم يعد يُنظر إليه بوصفه مواطنًا متألمًا، بل عنصرًا مشكوكًا في ولائه، وربما مشروع عميل تحت التمرين.

التحول في خطاب الدولة واضح: الإحباط لم يعد مجرد حالة شعورية، بل بات جريمة معنوية، قد تفتح عليك أبواب الاتهام بالخيانة أو المشاركة –بغير قصد– في “حروب الجيل الرابع”، ولهذا كان رئيس الوزراء واضحًا في رسالته الأخيرة: “النقد حق كامل، لكن لازم نصدر صورة إيجابية عن مصر”، أي أن النقد يجب أن يكون بلهجة باردة، ولغة مطمئنة، وإن أمكن بدون ذكر الأرقام.

وهنا تتوسع قائمة “أهل الشر” لتشمل ليس فقط التنظيمات المسلحة أو القنوات المعادية، بل أيضًا المواطن اللي زعلان من زيادة الإيجار، واللي بيشتكي من سعر العيش، واللي قال مرة إن الحكومة بتتأخر في صرف المعاش.

الإحباط، وفقًا للمنظور الجديد، لا ينتج عن السياسات أو الواقع الاقتصادي أو ضغوط الحياة، بل هو نتاج مباشر لـ”قوى خارجية تسعى لتشويه إنجازات الدولة”، وبناء على ذلك، فـ كل مواطن مكتئب، أو ساخط، أو حتى ساكت ومش متفاعل على السوشيال ميديا، هو مرشح لأن يكون ضمن قائمة المشتبه فيهم نفسيًا.

قل الحمد لله وشارك في بناء الدولة

في الجمهورية الجديدة، لم تعد المشاركة في بناء الوطن تقتصر على الضرائب، أو التقشف، أو الوقوف في الطوابير، أو الصبر على ارتفاع الأسعار، لقد أصبحت المشاركة فعلًا وجدانيًا، يُقاس بمدى قدرتك على كتم الغضب، وتجميل الواقع، ورفع شعار “الحمد لله” في وجه أي أزمة، مهما اشتدت.

فحين ترتفع أسعار الكهرباء، قل الحمد لله.
حين يُطالبك المالك بإخلاء شقة الإيجار القديم، قل الحمد لله.
حين يفرض عليك الدكتور مصطفى مدبولي ضريبة جديدة من مرتبك، لا تغضب فقط قل: “دي حاجة بسيطة للوطن”.
فالوطن، كما يقول الحكماء، لا يُبنى بالاحتجاج.. بل بكظم الغيظ والتفاعل الإيجابي على السوشيال ميديا.

وهكذا أصبحت كلمة “الحمد لله” هي حجر الأساس في البنية الوطنية، كلمة بسيطة، لكنها ذات مردود اقتصادي ومعنوي، تقولها وأنت تقف في الزحمة، فتخف الزحمة، تهمس بها وأنت تدفع قسط المدرسة، فيسهل القسط، تكتبها تحت منشور حكومي عن زيادة الأسعار، فتصبح مواطنًا صالحًا، واعيًا، مشاركًا في التصدي لأهل الشر.

صحيح أن البعض يظن أن “الحمد لله” لا تدفع فواتير، ولا تُشبع جوعًا، ولا تبرر السياسات، لكن هؤلاء لا يفهمون العقيدة الوطنية الجديدة، التي ترى أن التفاؤل واجب وطني، وأن الحزن مرفوض، إلا بإذن كتابي من الجهات المختصة.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نذكّر بكلمة رئيس الوزراء نفسه:
“النقد حق، بس الإيجابية أهم”
و”الإيجابية”، في لغتنا الرسمية، تبدأ بكلمة: الحمد لله.