ارتفاع أسعار السجائر 5 جنيه؟ مزاج الشعب يا حكومة!

مزاج الشعب يا حكومة

في الوقت الذي تُعقد فيه الندوات حول “مخاطر الإحباط”، وتُبث فيه الأغاني الوطنية على مدار الساعة لحثّ المواطن على التمسك بالأمل، وتُغرد فيه الجهات الرسمية بشعارات التنمية والاستقرار، جاءت الزيادة الأخيرة في أسعار السجائر الشعبية لتثير سؤالًا بسيطًا في عقول الغلابة:
“هي بلدنا بتعمل فينا كده ليه؟”

رفع ثمن علبة السجائر الشعبية – تحديدًا كليوباترا- الماركة التي تجمع بين نكهة التاريخ وطعم الفقر 5 جنيهات دفعة واحدة، ليس مجرد تعديل تسعيري، بل هو تدخل مباشر في تركيبة المزاج الوطني، فالسجائر في مصر ليست منتجًا ترفيهيًا، بل هي امتداد عضوي لليومية المصرية، كالكُشري وطبق الفول وماتشات الأهلي والزمالك.

السجائر في مصر ياحكومة وسيلة بدائية لتفريغ الضغط، وفاصل قصير بين الأزمات، وصمام أمان شعبي في وجه الغلاء وضعف الرواتب وانقطاع الماء والكهرباء وانقطاع الأمل أحيانًا.

السيجارة عند المواطن البسيط تبدأ من بائع جرائد وتنتهي عند قهوة بلدي، لكنها تقطع في الطريق رحلة داخل الوجدان، تشعلها اليد في العلن ويُشعلها الهم في الخفاء، تُسحب على مهل وكأنها تذكرة عبور للحظ إلى عالم موازٍ، ولذلك، فإن أي زيادة في أسعار السجائر ليست مجرد قرار اقتصادي، بل هي خطوة تشريحية في لحم المواطن المكشوف، خاصةً حين تأتي بدون مقدمات، وفي توقيت ترتفع فيه كل الأسعار الأخرى. 

 وفي ظل هذه الظروف، يحق للمواطن أن يتساءل ببراءة قاتمة:
“هو إحنا بنحارب الجهل.. ولا بنحارب المزاج؟”

فإذا كانت الدولة تسعى لإعادة بناء الإنسان المصري، فهل من الحكمة أن تبدأ بتدمير أعصابه

5 جنيهات.. انفجار في الرئة المجتمعية

المسألة ليست مجرد زيادة سعرية طفيفة في منتج استهلاكي، بل هي بحسب كثيرين ضربة مباشرة للرئة الشعبية، التي تعاني أصلًا من نقص الأكسجين ( الفلوس يعني ) لتأتي الخمسة جنيهات الأخيرة كالقشة التي قصمت ظهر البعير.

إنها السلعة الوحيدة التي لا تخضع لقواعد العرض والطلب، بل لقوانين: “مافيش غيرها يروّقني”، السيجارة هنا ليست اختياريّة، بل وظيفية
هتتوتر في الشغل؟ سيجارة.
خناقة في البيت؟ سيجارة.
بنزين غلي؟ سيجارة.
كل شيء يُقابل بدخان، ليس هروبًا، بل محاولة استعادة توازن مؤقت في دولة تتقلّب كطقس تموز.

وإذا كانت الحكومات ترى أن رفع السعر 5 جنيهات “مناسب” لمستويات التضخم، فالمواطن يرى أنها تكفي وحدها لإحداث تضخم في حجم النرفزة، فخمسة جنيهات تعني أن من كان يُدخّن على الحافة، صار الآن على حافة الانفجار العصبي.
تعني أن “نص فرط” الكليوباترا الذي كان يُهدّئ الغضب صار ترفًا، وأن المواطن الذي كان يشتري “بالسُلف” سيضطر قريبًا إلى الإنفجار ( وإنتي حرة يا حكومة بقا ) 

إن رفع سعر السيجارة الشعبية ليس مجرد إجراء مالي، بل هو إعلان غير مباشر بانتهاء مرحلة “الرأفة بالمزاج”، وبداية عصر جديد من الحسم الضريبي حتى على الكيف!.

من كليوباترا إلى المارلبورو.. حلم المواطن المؤجل

في بلدٍ تتعثر فيها الأحلام بين فواتير الكهرباء وبونات الدعم المرفوعة تظلّ السيجارة الأجنبية حلمًا مؤجلًا للمواطن البسيط، هي ليست مجرد منتج دخّاني يحمل نكهة أجنبية، بل رمزٌ صغير لرفاهية كبيرة مؤجلة إلى أجلٍ غير مسمى.

فمنذ عقود، يقف المصري الغلبان على عتبة هذا الحلم، يطالع رفوف الأكشاك بنظرة نصف حسد ونصف يأس، وهو يتأمل علب المارلبورو وكأنها كروت يانصيب لم يفز بها قط. يشتري الكليوباترا مجبرًا لا بطلًا، يشعلها وكأنه يعتذر من نفسه، ثم ينفث دخانها وهو يتخيل شكل الحياة لو كان في جيبه بدل الجنيهات الأربعين، واحدة ” خضرا من أمو 50 “.

“لما ربنا يكرم”، “لما نقبّض”، “لما المكافآت تنزل”.. كلها جمل صارت شواهد على رحلة حلم التدخين الفاخر، في حياة لا تحتمل حتى التنفس المجاني.

وفي بلد تُدار فيه الأحلام بالتقسيط، تُصبح المارلبورو هي الـBMW بتاعة المزاج، والسيجارة المحلية هي التوكتوك الذي يحمل المواطن حملا. 

ورغم كل ذلك، فإن الحلم لا يموت، يظل حيًا في اللافتات الإعلانية، في مشاهد الأفلام، في الطابور عند الكشك حين يسأل الزبون الفقير البائع بخبث:
“معاك واحدة مارلبورو”
فيرد البائع بضحكة ساخرة:
“يا عم خليك في الكليوباترا ومتخليش بطنك واسعة.”

“السجائر المدعومة”.. مشروع قومي قادم

في ظل توجّه الدولة نحو حماية المواطن من تقلبات السوق ومؤامرات الاقتصاد العالمي، يطرح البعض – بصدق أو بتهكم – فكرة “السجائر المدعومة” كخطوة اجتماعية واقتصادية لا تقل شجاعة عن رغيف العيش المدعوم أو بطاقة التموين، ففي بلدٍ يتنفس فيه المواطن القهر بانتظام، وتُصنّف فيه “السيجارة” كحق شعبي مكتسب، لماذا لا تدخل تحت مظلة الحماية الاجتماعية؟

لمَ لا نراها ضمن “بونات” التوزيع؟
لمَ لا يكون هناك “كشك تموين تبغ”؟
لماذا لا نرى بطاقة ذكية تضمن للمواطن “حصته العادلة” من المزاج؟

السجائر المدعومة ليست رفاهية، بل استثمار طويل الأجل في ضبط النفس الوطني، تخيّل لو أن الدولة دعمت علبة السجائر كما تدعم البنزين 80، ألا يُسهم ذلك في خفض معدلات العصبية في الطوابير، وتخفيف الاحتقان في المواصلات، وتقليل نسب الجرائم الناتجة عن الضغط النفسي؟

ثم لِمَ لا، طالما أن الدولة تؤمن بأن الأمن المجتمعي يبدأ من الاستقرار النفسي؟
طالما أن “حروب الجيل الخامس” لا تُواجه فقط بالمدرعات، بل بالعقل الهادئ فلماذا لا نبدأ بسيجارة الصبح؟

تخيل إعلانًا رسميًا:
“تم إدراج صنف كليوباترا سوبر في البطاقة التموينية ضمن منظومة الدعم الجديدة.. للحفاظ على الأمن المزاجي للمواطن المصري، سيُذكر هذا القرار في كتب التاريخ:
“في عهد السيد الرئيس وحين ضاقت السُبل، قررت الدولة أن تمنح الشعب نفس أطول بسعر أقل.”

ربما تُدرج السجائر في مبادرة “حياة كريمة”، تحت بند:
“الحق في المزاج.”
ومن يدري؟
قد نرى في يومٍ قريب، على بوابة وزارة المالية، لافتة تقول:
“الدعم حق للجميع.. حتى المدخنين.”