في ذكرى ثورة يوليو.. 6 مزايا مدهشة لحكم العسكر الأخيرة ستبهرك!

في كل عام، تطل علينا ذكرى ثورة يوليو محمّلة بأغنية “من هنا كانت البداية وابتدا الشعب الحكاية” للرائع الراحل عبدالحليم حافظ، وعبق البيانات الأولى للضباط الأحرار، وابتسامة جمال عبد الناصر المطبوعة على طوابع البريد، لكن الذكرى هذا العام تأتينا بطعم مختلف، فبعد أكثر من سبعين سنة من “مهمة التحرير الوطني”، تبدو مصر وقد استقرت أخيرًا في أحضان نظام حكم واحد لا يتغير، ولا يشيخ، ولا يعتذر: حكم العسكر.

ومن العدل والإنصاف، أن نحتفل لا بالماضي فقط، بل بالحاضر، وأن نرصد – بعين المحب لا الحاقد – أهم 6 مزايا مدهشة أهدانا إياها آخر إصدارات هذا الحكم الممتد: حكم العسكر النسخة الأخيرة (موديل الجمهورية الجديدة)، والتي أثبتت أن التحكم في الحياة المدنية باستخدام أدوات عسكرية قد يكون الطريق الآخر لتحقيق الرخاء المجتمعي المنشود والسعادة الوطنية التي نبحث عنها.
فالعسكر لم يعودوا مجرد حكام؛ بل أصبحوا فلسفة حكم، لم يكتفوا بإدارة الدولة، بل أداروا أحلامها، وشكلوا وعيها، وصاغوا المستقبل على مقاس هندسي تحت إشراف العظيم الوزير كامل الوزير.
لقد نجحوا في سلاسة مدهشة أن يجعلوا من المواطن شريكًا صامتًا في كل قرار، ومن البرلمان فرقة كورال تؤدي أغنية “تمام يا فندم” بتنوعات دستورية، ومن الإعلام فرعًا مباشرًا لإدارة الشؤون المعنوية.
من هنا، تأتي هذه المزايا الست لا كمجرد مظاهر لحكم، بل كسمات لنمط حياة جديد، حياة لا تتطلب منك إلا الطاعة، وكما قال الفنان عمرو عبدالجليل في فيلم صرخة نملة “عيش نملة تاكل سكر”
1. بعد ثورة يوليو رخاء اقتصادي لا يُطاق
في حكم العسكر، لم تعد الأزمة الاقتصادية أزمة، بل أصبحت “حالة رخاء خانق” تستعصي على الفهم ولا أحد يستطيع فهم لماذا كل هذا الرخاء و من أين جاء ؟ الأسعار ترتفع يوميًّا لا لأن هناك تضخمًا، بل لأن المواطن يجب أن يتأقلم مع مستوى جديد من الرفاهية، كل شيء في السوق بات حصريًا، حتى السلع الأساسية تحوّلت إلى “مقتنيات نادرة” يتفاخر المواطنون بامتلاكها في مجموعات مغلقة على فيسبوك.
الخبز؟ أصبح خبزًا فاخرًا، السكر؟ سكر عضوي بالتقسيط، اللحمة؟ استثمار طويل الأجل لا يُستهلك بل يُحتفَظ به في أحاديث الذكريات، أما الجنيه المصري، فقد أثبت أنه كائن شديد المرونة، يتقلّص أمام الدولار كنوع من رياضة التأمل المالي.
الرخاء هنا ليس مجرد شعار بل سياسة، المواطن أصبح أكثر قدرة على الصيام، وأكثر انفتاحًا على البدائل: العدس بدل اللحم، الدعاء بدل الصحة ، إنها جمهورية جديدة تُعيد صياغة العلاقة بين المواطن واحتياجاته، فتعلمه أن يعيش بالقليل، ويفتخر باللاشيء، ويتكيف مع فكرة أن الفقر وجهة نظر.

ولو اشتكى أحد من الأسعار؟ يُذكَّر فورًا بأننا “بنحارب الإرهاب وبنبني دولة عظيمة”، وأن “الفكة مش مهمة.. المهم الهدف”، في هذه الجمهورية، ليس الغلاء فشلًا اقتصاديًا، بل إنجاز سيادي يُضاف إلى رصيد الصمود الوطني.
2. حرية تعبير محسوبة بالملِّي
في النسخة الأخيرة من حكم العسكر، لم تُلغَ حرية التعبير، بل تم “هندستها” لتناسب المصلحة العامة، لم تعد الحرية حقًا مطلقًا، بل أصبحت نظامًا دقيقًا يشبه جرعة دواء: يؤخذ بحذر، وتحت إشراف جهة سيادية، وفي حدود لا يجوز تجاوزها.
أصبح المواطن يعرف متى يتكلم، ومتى يسكت، ومتى يصفق بحرارة وميفتحش بوقه، الإعلاميون تحوّلوا إلى مهندسي وجدان، لا يقولون ما يريدون، بل ما يجب أن يُقال، الكتابة عن الوضع الاقتصادي؟ مسموح، شرط أن تبدأ بعبارة “القيادة السياسية لا تدخر جهدًا”، وتنتهي بـ”الحمد لله إننا مش زي سوريا والعراق”.
أما السوشيال ميديا، فقد تطورت من مساحة للرأي، إلى ساحة اختبار وطني، تغريدة واحدة قد تضعك على خريطة “التحريات”، او على الأقل قعدة واحدة مع اصحابك ممكن بسهولة خالص توديك مكتب الأمن الوطني، لذلك، صارت حرية التعبير مهارة يتقنها من يعرف كيف يكتب دون أن يقول، وكيف يعارض دون أن يُسجل عليه موقف، وكيف ينتقد الحكومة بنصائح خفيفة لا تُزعج أحدًا.
والأجمل، أن هذه الحرية تخضع لتقنية “الترخيص المجتمعي”، حيث يُسمح لك بالرأي فقط إذا كنت قد شاركت في المشروعات القومية، أو ظهرت في صورة سيلفي مع كوبري، أو استخدمت هاشتاج #تحيا_مصر في آخر منشور لك.
إنها الجمهورية الجديدة التي تقول لك: عبّر.. لكن “بأدب”، ناقش.. لكن “في حدود”، اكتب.. لكن “متزودهاش”، حرية التعبير ليست ممنوعة، لكنها تُقدَّم بالقطّارة، وعلى مسؤوليتك الشخصية.
3. الديمقراطية.. بث تجريبي
منذ لحظة إعلان الضباط الأحرار بيان ثورة يوليو 1952، دخلت الديمقراطية المصرية مرحلة “التشغيل التجريبي” آنذاك، كان الوعد ببناء حياة نيابية سليمة، لكن جرى تأجيل “الإطلاق الرسمي” حتى تكتمل الترتيبات الأمنية والتقنية والوجدانية، وهي ترتيبات ما زالت جارية حتى اليوم، بعد سبعة عقود من التطوير المستمر.
وفي النسخة الأخيرة من الحكم، تحديدًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حافظت الدولة على نفس الفلسفة: الديمقراطية مشروعة، لكنها حساسة، ولا بد أن تُقدَّم في بيئة آمنة ومراقَبة، مثلها مثل “المفاعل النووي”.
الانتخابات تُقام، نعم، ولكن وفق هندسة سياسية دقيقة تجعل النتائج معروفة مسبقًا، حتى لا يصاب الشعب بالقلق من عنصر المفاجأة، الأحزاب موجودة، لكن في صورة ديكورية رائعة، مثل الزرع الصناعي في الفنادق الفاخرة: لا يُسقى ولا يذبل، أما البرلمان، فهو مؤسسة تفاعلية تعمل وفق مبدأ “تمرير القوانين لا مناقشتها”، وهي فلسفة أراحت الجميع: الحكومة من النقد، والمواطن من الشد العصبي.
الرئيس السيسي نفسه عبّر عن الأمر بصدق نادر حين قال: “أنا مش سياسي بتاع الكلام”، وبذلك حدّد موقع الديمقراطية في جدول الأعمال الوطني: ليست أولوية، بل مرحلة لاحقة.. تأتي بعد القضاء على الإرهاب، وبعد بناء الكباري، وبعد استصلاح المليون فدان، وبعد افتتاح قاعة كبار الزوار في مطار سفاجا، وبعد أي حاجه هيعملها الرئيس.
في جمهورية ثورة يوليو بنسختها الأحدث، الديمقراطية أشبه بتطبيق إلكتروني ما زال في “مرحلة البيتا” متاح للتحميل، لكن غير مستقر، وقابل للتعليق في أي لحظة، وإذا سأل مواطن عن موعد النسخة الكاملة، يُقال له بحزم: “مش وقته.. خلّي الأول نخلص المشروعات القومية.”
إنها ديمقراطية وطنية بطابع عسكري: تحت السيطرة، ومنزوعة الأجندات، ومزودة بخاصية “الإلغاء عند الطوارئ”، نسخة تجريبية.
4. الأمن.. سابق بخطوتين
في دولة الضباط الأحرار قديما وضباط السيسي حديثا، لا يحتاج المواطن إلى أن يشعر بالخطر كي يحظى بالحماية، فالأمن هناك يسبق النوايا، ويتعقب الأفكار قبل أن تكتمل في الرأس، يكفي أن ترفع حاجبك بأسلوب مريب، أو أن تتنهد بعمق في المواصلات، لتتحرك الأجهزة فورًا – لا ضدك بالضرورة، ولكن نيابةً عنك، حماية لك من نفسك.
فالأمن الوطني لا يكتفي برصد التحركات، بل بات يرصد الأحاسيس، لم يعد الخطر في التحريض، بل في “الإيحاء”، وكم من مواطن أُوقِف لأنه فكر في التفكير.

وإذا ظننت أن مصطلح “سابق بخطوتين” مجرد تعبير بلاغي، فأنت لم تتلقّ رسالة “استدعاء ودي” قبل أن تنشر تغريدتك، أو مكالمة هاتفية تُشعرك أن صوتك الداخلي ليس داخليًا بما يكفي.
ولأنك في وطن ذكي، فقد وفّرت الدولة على المواطن مشقة البلاغات، وأصبحت الكاميرات ترصد الزلات، والميكروفونات تلتقط الزفرات، والهواتف تُبدي ملاحظاتها تلقائيًا: “ربما عليك مراجعة ما قلت منذ قليل، فقد تم تفسيره على نحو سلبي.”
الأمن هنا ليس فقط لحماية النظام من المواطن، بل – والأهم – لحماية المواطن من نفسه.
5. مؤسسات الدولة.. جيش واحد خلف القيادة
منذ لحظة أن قال الضابط الشاب جمال عبد الناصر عبارته الخالدة: “لقد قضينا على الملكية الفاسدة”، لم تعد مؤسسات الدولة المصرية تتعامل بوصفها كيانات مدنية مستقلة، بل بدأت تتوحد تدريجيًا خلف رؤية موحّدة ومصدر واحد للقرار، وفي النسخة الأخيرة من الحكم، أصبح هذا “التوحد” أكثر نضجًا وانضباطًا، حتى بدت مؤسسات الدولة وكأنها فِرَق مختلفة في كتيبة واحدة: لها تشكيل، وتسلسل قيادي، وتعليمات واجبة التنفيذ.
في الجمهورية الجديدة، و في دولة الضباط الأحرار لم يعد مفهوما أن يكون هناك “استقلال سلطات”، فالقضاء والإعلام والبرلمان والنقابات والمجالس العليا كلهم أصبحوا صفًّا واحدًا خلف القيادة، لا يسبقونها، ولا يسألونها، ولا يترددون لحظة في تنفيذ التوجيهات،ولو كانت شفوية، أو حتى محسوسة فقط.
تَحوّلت الدولة إلى ما يشبه أوركسترا عسكرية: الجميع يحمل نوتة واحدة، يصدر عنها صوت واحد، يعزف نشيدًا واحدًا، بإيقاع واحد، لا مكان للناشز، ولا وقت للارتجال.
وزارة التعليم، مثلاً، لم تعد تفكر في تحسين جودة التعليم، بل في تحسين قدرة الطلاب على تقبُّل الواقع كما هو، وزارة الثقافة لم تعد معنية بتنمية الذوق العام، بل بضبطه على تردد الدولة، أما وزارة الإعلام (أو ما تبقى منها)، فهي اليوم أشبه بـ”وحدة علاقات عامة” ناطقة باسم القيادة، تحمل طبلة في يد وطبقة صوت جهورية في اليد الأخرى.
الجيش، بدوره، لم يعد مجرد مؤسسة وطنية مهمتها الدفاع عن الحدود، بل صار بمثابة مؤسسة فوق المؤسسات، تمتد أعماله من تطوير الطرق إلى تصنيع المكرونة، ومن إقامة المشروعات السكنية إلى إدارة المستشفيات، ومن تسليح الفرق إلى تسليح العقول.
لم يعد غريبًا إذًا أن نجد محافظين من خلفية عسكرية، أو رؤساء جامعات سابقين من الكتائب، أو رجال أعمال يتحدثون عن “واجباتهم القتالية في السوق”، أو حتى مذيعين يختتمون النشرة بعبارة: “تحيا مصر.. قائدًا وجيشًا وشعبًا، بهذا الترتيب.”
باختصار، الدولة المصرية اليوم هي “المؤسسة الأم”، تدير مؤسساتها كما تُدار الكتائب: بلا انشقاق، ولا نقاش، ولا تصريحات غير مُصرَّح بها.
فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا مؤسسة تقف أمام القيادة، ولا مواطن يُفترض به أن يفهم تفاصيل ما يجري، كل المطلوب منه فقط: أن يكون جنديًا ملتزمًا.. أو على الأقل لا يُزعج الصفوف.
6. أحلام مؤجلة.. للأجيال القادمة
منذ أن أُعلنت ثورة يوليو أهدافها الستة، وعلى رأسها “القضاء على الاستعمار والإقطاع”، حمل الشعب المصري آمالًا كبرى في التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية، لكن مع مرور العقود، تبيَّن أن بعض الأحلام لا تُصنّع محليًّا، بل تحتاج لاستيراد طويل الأجل، أو – على الأقل – جدول زمني مرن جدًا يمتد من جيل إلى آخر، حتى إشعار آخر.
في النسخة الأخيرة من حكم العسكر، لم يعد هناك وعد بتحقيق الحلم، بل وعي عميق بأن الحلم نفسه ليس للمستعجلين، الخطط طموحة، والرؤية ممتدة، والإنجازات على الأرض في مرحلة التأسيس، دائمًا هناك حجر أساس، ورؤية عشرينية، وخطة تحول تبدأ “من الآن وحتى عام 2050″، وكأننا نُعدّ البلد لاستقبال أحفادنا، لا أولادنا.
- أحلام العدالة مؤجلة لحين استكمال منظومة الرقمنة.
- أحلام الحرية مؤجلة لحين انتهاء المعركة مع “الإرهاب الفكري”.
- أحلام الكرامة مؤجلة لحين ضبط سلوك المواطن وتشكيل وعيه.
- حتى أحلام الزواج للشباب، أصبحت مؤجلة لحين صدور تراخيص بناء “حياة كريمة”.
أما المواطن، فعليه أن يتحلى بالصبر، ويثق في القيادة، ويتذكر دومًا أن الرخاء قادم، وأننا حتمًا “على الطريق الصحيح”، وإن كنا لا نراه، ولا نلمسه، ولا نشمّه حتى.
المواطن في الجمهورية الجديدة أشبه بمسافر في قطار بلا شبابيك، يُطلب منه أن يستمتع بالرحلة، ويصفق مع كل إعلان عن محطة قادمة، حتى لو لم يصلها قط. المهم أن يكون لديه يقين أن القائد يرى، وأن الخريطة في أيدٍ أمينة، وأن الحلم – وإن طال – ليس مستحيلاً، فقط يحتاج لتوقيت مناسب.. لا أحد يعرفه.
فهل من جيلٍ يتطوع لتوريث الحلم؟ هل من حفيد يرفع الراية؟
ربما.
لكن المؤكد أن الحلم في عهد العسكر، ما زال حيًّا… ويدينا ويديك طولة العمر.