الفيلا في رأس الحكمة بـ 324 مليون جنيه.. يا بلاش والله

في زمن تتسارع فيه أسعار العقارات وتتحول المشاريع السكنية إلى أبراج من الأرقام التي تذهل العقل، أعلنت “مدن الإماراتية” عن مشروعها الجديد في رأس الحكمة في مصر، حيث تُقدّم فيلا واحدة بسعر يصل إلى 324 مليون جنيه.
رقم قد يثير الدهشة، وربما الاستغراب، خاصةً عندما نتخيل ماذا يمكن أن يفعل المواطن بهذا الرقم الكبير، وهل يمكن أن يتحول هذا الرقم إلى فرصة استثمارية بدلًا من أن تكون عبئًا على كاهل البعض؟
المشروع والفيلا مش مزحة، والرقم مش تسريب خاطئ من لجنة تسعير الوحدات السكنية في رأس الحكمة دي تسعيرة رسمية موثّقة صادرة من شركة معتبرة بتشتغل في أكتر من بلد، و مدن الإماراتية مشرفة بنفسها على المشروع ” أصلنا مش هنضحك عليك يعني صديقي المواطن”
وعشان تعرف ان الفيلا تستاهل الرقم خليني أقولك إن المكان ساحلي، راقٍ، بيطل على حاجات عمر خيالك كامواطن ساكن في قلعة الكبش وروض الفرج ماهيجبها ، وكل حجر في المكان مُصمّم بعناية علشان يحسّسك إنك من أقل من الأستاذ بيل جيتس أو الفنان نجيب ساويرس.
طبعًا في ظل التضخم والحالة الاقتصادية اللي بتعيشها في مصر صديقي المواطن وارد جدا تقول إن الرقم مبالغ فيه جدًا و مش طبيعي يعني هملك حاجه في رأس الحكمة بالرقم الفلكي ده ولكن لو أخدنا الموضوع من زاوية تانية – زاوية اقتصادية شويييية – هنلاقي إن الرقم مش كارثة زي ما انت متخيل ، وإنه ممكن جدًا يكون فرصة، لكن مش للي معاه 324 مليون، لأ.. للي معاه 3 جنيه بس، بس بيعرف يوزّعهم صح.

324 مليون يا بلاش والله
الناس أول ما سمعت الرقم قالت: “324 مليون؟! دول يعملوا محافظة!”، بس الحقيقة إن الرقم مش كبير للّي يعرف قيمة الاستثمار العقاري في ظل الجمهورية العقارية الجديدة.
يعني لما تبص للرقم بعين محايدة، وتشيله من خانة المرتب الشهري والجمعيات اللي بتدخلها عشان تمشي يومك، وتحطه في كفة رؤية استراتيجية طويلة المدى، هتلاقي إنك قدام صفقة العمر، إنت مش بس بتشتري فيلا في رأس الحكمة، إنت بتشتري موقع استراتيجي، رؤية معمارية، مستقبل أولادك، وسند روحي في عزّ الزحمة السكنية.
مينفعش تبص على الفيلا على إنها مبنى فيه 5-6 أوض وريسيبشن، لازم تبص عليها على إنها حلم قومي مُصغّر، يعني ببساطة: 324 مليون مش تمن فيلا.. ده اشتراك سنوي في نادي النخبة يكفي ان جارك يبقى الفنان ويجز أو الفنان القدير عمرو دياب – عشان خارب الدنيا اليومين دول –
تخيّل معايا إنك وفّرت في المصيف سنتين، ومجبتش تلفزيون ٨٤ بوصة السنة دي، وأجلت تغيير الموبايل ٥ سنين، شووف بقاا هتوفر قد إيه يا مواطن، فكر في الموضوع واللي يقولك “ده رقم خيالي”، قوله: “لأ، الخيال مشكلتك إنت.. إحنا في عصر الأحلام ممكن نحققها عادي.
أرباح لا نهائية.. عد الملايين عد
بمنتهى البساطة وبعيدًا عن التعقيد المالي إحنا 100 مليون مواطن، لو كل واحد فينا دفع 3 جنيه – أي ما يعادل ثمن رغيفين ونص – هنجمع 300 مليون جنيه مرتاح يعني – ده لو افترضنا ان في 100 مليون بس هيدفعوا الفلوس دي، ونزود عليهم شوية تبرعات من المصريين في الخارج، نعدي بيها حاجز الـ324 مليون ونشتري الفيلا!
وبعد كده؟
ببساطة، نحطها على Airbnb أو Booking أو حتى على OLX بسعر لائق:
مثلاً نأجرها بخمسة مليون جنيه في الأسبوع، لمستثمر مشغول أو شيخ محتار بين شاليه لندن والمنتجع الساحلي الجديد، ومع أول موسم صيف، نبدأ نوزّع الأرباح على الشعب.. أرباح وطنية مشروعة من إيجار مشترك.
ولو الدولة حبّت تشارك، مفيش مانع تخلي وزارة السياحة مسؤولة عن الحجوزات، ووزارة المالية مسؤولة عن جمع الأرباح، ووزارة التضامن توزع العائد بنظام نقاط للغلابة والمحرومين من المصيف، أو حتى ندي كل مواطن يوم يقعد فيه في الفيلا.. بالدور طبعًا، وبتأمينات طبعًا والدوله هتاخد ضمانات على الفيلا آه ما هي مش فيلا، دي مشروع قومي بديل للبورصة والمعاشات والتأمين الصحي.
ودي مش مزحة، ده نموذج اقتصادي بديل، اسمه “الملكية الجماعية في ظل العجز الفردي”.
وفي زمن المواطن ما بقاش يقدر يشتري شقة ، ليه منشتغلش على مبدأ “المشاركة الجماعية في الثراء المحدود؟” بدل ما نشتري علبة فول بـ15 جنيه، نساهم بالـ3 جنيه دول في شراء حلم بحري ممكن يأجّر نفسه ويصرف علينا ، و خصوصا لو الفيلا والحلم ده في رأس الحكمة وما أدراك ما رأس الحكمة.
تجربة إماراتية على الأرض المصرية
حينما أعلنت شركة “مدن الإماراتية” عن مشروعها الفاخر في منطقة رأس الحكمة، لم يكن الأمر مجرد استثمار عقاري عابر، بل كان تجربة ثقافية شاملة تُعاد زراعتها في التربة المصرية، حيث تُصدّر الإمارات مفاهيمها في السكن والرفاهية إلى المواطن المصري، دون الحاجة لإقناع.. يكفي أن نعرض فيلا بسعر 324 مليون، وسيتحول المشروع تلقائيًا إلى “رمز للنهضة”.
هي ليست مجرد فيلا، بل فيلا إماراتية الصنع، مصرية الموقع، عالمية الطموح، تصميمها مستوحى من نمط الحياة الخليجية الفاخرة: رخام مستورد، شبابيك ترى البحر قبل أن تراه أنت، وحديقة تصلح لتصوير إعلان عطر، وسقف يمكنه استقبال طائرة خاصة لو عايز تشتري واحده يعني .
بهذا المشروع، لم تُصدّر الإمارات رأس المال فقط، بل صدّرت أسلوب الحياة، ورسّخت مفهوم “الترف المستورد محليًا”، ولم تجد أفضل من ” مدن الإماراتية” لتنفيذ هذا المشروع العملاق.
واللافت أن المشروع ليس بحاجة لتسويق، فالأرقام تقوم بالدور وحدها:
كل ما تحتاجه هو أن تقول “فيلا بـ324 مليون”، وسيتكفل المواطن بنفسه بباقي الحملة الإعلانية، هذه هي التجربة الإماراتية: ندخل السوق، نرفع السقف، نبيع بأسعار عالية ونترك الناس تندهش على راحتها، – ده مش موضوعنا يعني –
الإعلام المصري: حيالله من يانا
كالعادة، لم يتأخر الإعلام المصري عن أداء واجبه الوطني في تفسير المشروع ، وبمجرد الإعلان عن الفيلا ذات الـ324 مليون جنيه، انطلقت البرامج بكل ما أوتيت من قوة مدروسة ومهارة.
الإعلامي المخضرم صاحب الحنجرة الذهبية أحمد موسى قال: “يعني هو الرقم كبير؟ لا طبعًا.. ده طبيعي جدًا في المشروعات العالمية، وده دليل إن مصر بقت على خريطة الاستثمار العالمي.”

البوق الإعلامي لؤي الخطير هو الآخر شارك برأيه قائلاً: “ده مش مشروع سكن، ده مشروع سيادي.. فيلا بـ300 مليون = ثقة استثمارية = مصر قوية = المواطن مستفيد معنويًا على الأقل.”
ولم يوضح كيف يستفيد المواطن معنويًا، لكن كان متأثر بصراحة أوووووي وواضح يعني إن هو واثق من كلامه فغالبًا عنده حق.
وفي فقرة خاصة من برنامج الستات مبيعرفوش يكدبوا ظهرت خبيرة علاقات عامة وقالت لينا معلومة مهمة واعتقد البعض بل الكثير مكنش عنده المعلومة دي ولا حتى خياله وصلها: “الرقم فيه رسالة.. وهي إن مصر تستحق الأفضل”، قبل أن تبتسم ابتسامة الثقة وتُشير بعصبية خفيفة إلى صورة الفيلا على الشاشة، وتقول هي دي مصر اللي عايزنها 324 يعني خطة مصر لمدة 324 سنة قدام.
ختامًا: في عصر الجمهورية الجديدة، لا يُقاس الحلم بما يمكن تحقيقه، بل بما يمكن تسويقه، وبالتالي فإن الفيلا ليست مجرد بناء، بل هي رمز استثماري، ورسالة معنوية، ومشاركة وجدانية مع “مدن الإماراتية” في بناء المستقبل.. على أرض مصر، بسعر أبو ظبي.