لؤي الخطيب.. غردت فطبّلت فخاف الدولار!

في التاريخ المصري الحديث، وحتى في التاريخ القديم والله، دائمًا ما توجد أصوات تختار أن تكون بجوار السلطة: بعضها ينبح، بعضها يهمس، وبعضها يطبّل، أما الآن وفي الجمهورية الجديدة أصبح لدينا ما يمكن وصفه بفرق موسيقية متكاملة، يقودها إعلاميون بدرجة مطبلاتية، وشخصيات عامة بدرجة “دلاديل” لامؤاخذة في اللفظ يعني، مهمتهم ليست إيصال المعلومة بل ضبط إيقاع الطبلة الوطنية، وشعارهم “عاش الملك مات الملك”.
فبينما يجاهد المواطن في طوابير السلع، وتترنّح ميزانية الأسرة على حافة الإفلاس، نجد على الشاشات من يشرح لنا أن الدولار لا يرتفع، هو بس عنده شوية هرمونات ولازم نستحمله شوية، وأن الجنيه لا ينهار، بل “في استراحة محارب”.
وسط هذا المشهد، يسطع نجم شاب جديد يُدعى لؤي الخطيب، لم يعرفه الناس من كتاب أو موقف، بل من تغريدة واحدة و بوست واحد و فيديو واحد على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فيديوهاته وتغريداته أعادت تعريف الاقتصاد الوطني، والمصطلحات المالية المعقدة، ومعنى الوطنية الجديدة، هو ليس محللًا اقتصاديًا، ولا متخصصًا في السياسات النقدية، لكنه قرّر -بشجاعة محارب- أن يقف في وجه الدولار ويقوله – أنت عبيط ولا ايه ده انت ب 48 جنيه بس!-

ويبدو أن الحقبة المقبلة لا تحتاج وزراء مالية، بل صُنّاع محتوى قادرين على إقناع الشعب بشيء لا وجود له، وتحويل عجز الموازنة إلى منجز وطني، واللي مش شايف كده خاين وعميل وشوية حاجات فوق بعض.
فمن هو لؤي الخطيب؟ وما هو السر في قوة الجنيه الروحية؟ ولماذا أصبح التطبيل وظيفة لا تتطلّب مؤهلًا؟
لؤي الخطيب.. أول طبّال حاصل على ختم الجمهورية
ظهر لؤي الخطيب فجأة، وغرّد فجأة، وطبّل فجأة، لم يحتج لمشوار إعلامي طويل، ولا لمقال تحليلي جاد، بل اكتفى بـ 240 حرفًا ليحصل على لقب بوق الجمهورية الجديدة، فتصريح واحد كفيل بجعل اسمك في الترند، لا بصفتك ناقدًا، بل باعتبارك صانع طبلة من طراز رفيع.
“الجنيه سندال قدام الدولار“.. هي ليست مجرد نكتة، بل حقيقة واضحة فالجمهورية الجديدة لا تنتظر من الإعلاميين تحليلاً، بل تحتاج فقط هذه الجملة، ولا تطلب من المحللين إحصاءات، بل شعارات، ولؤي الخطيب فهم الدرس مبكرًا.
هو ليس إعلاميًا تقليديًا، بل نسخة مطورة من إعلام مناسب للمرحلة، هو مزيج بين الفنان أحمد موسى والفنان محمد فؤاد، يرتدي البدلة الوطنية حتى في بيت الراحة، ويغني بإسم الوطن في كل مكان، يعزف بوقه على مقام “دو صول وطن”، ويعرف متى يرفع النغمة ومتى يكسر الإيقاع الوطني بكلمة “تحيا”.

وقد طالب البعض، بعد تغريدته الملهمة، بمنحه ختم الجمهورية في التطبيل، باعتباره أول من تمكّن من الجمع بين الجهل المالي، والثقة المطلقة، والقدرة على النفخ، في آنٍ واحد، إذ لم يكتفِ بإهانة قوانين الاقتصاد، بل قدّم نفسه بديلاً له،. فمن يحتاج إلى مؤشرات اقتصادية حين نملك لؤي الخطيب؟
في زمن الحياد المهني، اختار لؤي أن يكون جندياً في جيش الصياح الالكتروني، يصرخ باسم الجنيه، ويهدّد الدولار، ويدافع عن الرئيس ظالما أو مظلومًا هو لا يملك حلاً لـ أي أزمة ولكن يملك ( جلد تخين مش بيحوق فيه أي حاجة)
وقد اقترح البعض تحويل تغريدته إلى مادة دراسية تحت مسمى “الوطنية التغريدية وتحرير الأسواق بالتطبيل”، تُدرّس ضمن مناهج كلية الإعلام، شُعبة “صناعة رأي عام من اللاشيء”.
أما أهم إنجازاته فهو أنه أعاد الاعتبار للبوق، ليس كآلة موسيقية بل كمنهج إعلامي، ولو استمرت الأمور بهذا الإيقاع، قد نرى قريبًا لؤي الخطيب متحدثًا رسميًا باسم رئاسة الجمهورية، أو سفيرًا للنوايا الحسنة في منظمة “التطبيل بلا حدود”.
لؤي قالها الكل يطيع.. الجنيه فوق الجميع
في عالم تتحكّم فيه الأسواق والبنوك المركزية، خرج علينا لؤي الخطيب بمقولة عبقرية: “الجنيه المصري قوي لأنه ينتمي للسيسي..وطالما السيسي قوي يبقى الجنيه قوي”، مع ريأكشن عادل إمام في فيلم حسن ومرقص هو بيقول مش محتاجة حاجة يعني.
وهنا لا بد أن نعيد النظر في علوم الاقتصاد، فقد ثبت بالدليل القاطع أن الانتماء السياسي للعملة هو سرّ قوتها – not احتياطي النقد الأجنبي ولا الإنتاج ولا الصادرات، الجنيه المصري بحسب لؤي الخطيب، ليس مجرد ورقة نقدية، بل مقاتل صلب يرتدي “تيشرت عليه صورة الريّس”، يدخل في معركة الصرف العالمية حاملًا شعار: “تحيا مصر”، هو لا يتراجع أمام الدولار، بل يمنحه مسافة من باب الأدب،(اللي اتعلمه من الرئيس السيسي ) الجنيه، في هذا السياق، هو كائن وطني، لديه انتماء سياسي، ومشاعر، وكرامة.
ولأن الجنيه لا يُهزم، فقد صار الهبوط اليومي في قيمته مجرد استراحة وطنية، انخفاض سعره لا يعكس ضعفًا، بل تواضعًا، لا أزمة في السوق، بل السوق هو اللي مش فاهم الجنيه بيعمل فيه ايه ، والأزمة مش في ارتفاع الدولار، إنما في انخفاض وعي الناس اللي مش حاسين بالنعمة، أو كما قال لؤي الخطيب.
وفقًا لهذه الفلسفة، الجنيه لا يحتاج إلى تحفيز اقتصادي، كل ما يتطلّبه هو حلقة دبكة إعلامية، وبرنامج بقيادة البوق لؤي الخطيب وتغريدات ملحمية من بتوع الأستاذ لؤي.
هناك اقتراح بتغيير اسم البنك المركزي إلى “بيت العيلة الاقتصادية”، بحيث يتحوّل من مؤسسة نقدية إلى كيان عاطفي يرعى مشاعر الجنيه ويربيه تربية وطنية سليمة، وهيبقى رئيس البنك المركزي الأستاذ لؤي الخطيب مش هنلاقي أحسن منه.
ورشة لتعليم التطبيل
ولأن التجربة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن التطبيل هو أنجح وسيلة لمواجهة الأزمات زي ماقلنا الأستاذ لؤي الخطيب، فقد ارتفعت الأصوات مطالبة بإنشاء “ورشة قومية لتعليم التطبيل”، تحت شعار: “من لا يُجيد التطبيل، لا يستحق أن يكون بجوار الرئيس”.
الورشة، بحسب ما تم تسريبه من مصادر مطلعة على فنون النفخ، ستكون جزءًا من أكاديمية الإعلام الوطني للتمايل الصوتي والسمعي البصري، وستعمل وفق أحدث المعايير الدولية في مجالات: الهتاف الإيحائي، التحليل الانفعالي، و التعري% من غير طلب”.
التمجيد الاستباقي: كيف تحتفل بالإنجاز قبل التفكير فيه، وقبل أن يقوله المسؤول.
الردع المعنوي: فن تهديد الدولار بالجنيه، من خلال بوست على الفيسبوك مرفق بصورة السيسي.
الاقتصاد الايحائي: مثلا كيف تُقنع الناس أن كيلو الطماطم بـ45 جنيه ده طبيعي جدًا.
الصدمة الاستراتيجية: كيف تُقنع المتابع أن نقص الكهرباء سببه نجاح الدولة في “تخفيف الأحمال”.بروباجندا الصمت: كيف تفسر تجاهل الإعلام الرسمي للأزمات باعتباره “هدوء ما قبل الإنجاز”.
وسيتم منح الخريجين شهادات معتمدة برتبة: طبّال أول، طبّال ممتاز، وطبّال استراتيجي، وسيرتدي الخريج شارة على كتفه مكتوب عليها “أنا أحب الرئيس السيسي أكتر من أبويا وأمي “.
البنية التحتية:
سيكون في كل محافظة طبّال معتمد مسؤول عن نشر البهجة الوطنية في محيطه، وتغطية العجز في الوعي بأي طريقة ممكنة، وفي كل وزارة مستشار للهتاف، يُراجع التصريحات الرسمية ويتأكد من خلوّها من النبرة الواقعية، أما الشركات الحكومية، فسيتم تزويدها بـ”صفحات تطبيلية رسمية”.
التأثير المتوقّع:
الهدف من هذه الورشة ليس فقط إنتاج إعلاميين مطبلين محترفين زي البوق لؤي الخطيب، بل خلق حالة جماعية من التصديق الإيجابي، الذي لا يرى في الطوابير أزمة، بل تدريبًا على الصبر الوطني، ولا يعتبر الانهيار مشكلة، بل هبوطًا اضطراريًا في طريق الصعود الوهمي، وبهذا ننتقل من فكرة الإعلامي الناقد إلى الإعلامي المعر$، ومن الصحفي الباحث عن الحقيقة إلى المذيع الباحث عن طبلة.
وفي الجيل الثاني من الورشة، سيُدرّس منهج “التطبيل الأخضر”، الخاص بالبيئة، و”التطبيل السيبراني”، المتعلق بإقناع الذكاء الاصطناعي أن البلد زي الفل، و”تطبيل الأزمات المركبة”، المخصص لفترات التراجع الجماعي للقطاعات الإنتاجية والخدمية.
وبهذا نكون قد ضمنا أن الصوت الوحيد الذي يُسمع في البلاد، هو صوت “الدفّ”، لا “الكفّ” صوت الأستاذ لؤي الخطيب.
