انتخابات مجلس الشيوخ المصري.. عُرس انتخابي جديد

انتخابات مجلس الشيوخ المصري

أخيرًا عادت إلينا تلك اللحظة الساحرة التي تفيض فيها الصناديق بالحبر، وتفيض الأرصفة بالطبالين والراقصين، وتفيض ميكروفونات الإعلام بالثناء على “وعي المواطن المصري”.

نعم، يا سادة، إنه موسم الانتخابات، موسم الكرتونة، موسم الكاميرا التي تسبق الناخب، موسم اللافتات التي تحمل صورًا لرجال لا نعرف عنهم شيئًا سوى أنهم “رجالة الدولة”، موسم قوم نادي على الصعيدي وابن عمه البورسعيدي والشباب الاسكندراني. 

مصر تنتخب، ومشهد الانتخابات اللي كنا مفتقدينه راجع بقوة: ستات بيرقصوا على “تسلم الأيادي”، شباب ماسك أعلام وبيرفرف، كاميرات من كل صوب ترصد الابتسامات، وكل ده على خلفية صوت مراسل في الخلفية بيقول “مشاركة كثيفة وغير مسبوقة في انتخابات مجلس الشيوخ المصري“. 

يا له من مشهد يا حضرات!
كل عناصر المسرحية الانتخابية حاضرة:
اللجان مزينة، الحواجز الأمنية متقنة، المواطن مدفوع بـ”الحافز الغذائي”، والمرشحون بيتسابقوا على تقديم الوعود اللي مش هيفتكرها حد بعد النتيجة، وفي الخلفية، صور الزعيم سيادة الرئيس السيسي 

الانتخابات عندنا بقت مهرجان للشعب فيها كل حاجة ما عدا السياسة، راقصات، طبّالين، لافتات معمولة على الفوتوشوب بنفس الخط الكوميدي بتاع كل مرة اللي بنشوفه من 2014، وأغاني وطنية بتتحول فجأة لموال شعبي عن حب الوطن.

كل خمس سنين نطلع المسرح، نوزّع الكومبارسات، ونلمّ التصريحات الجاهزة والنهاردة الدور على مسرح مجلس الشيوخ المصري، شوف معايا عزيزي الناخب المحترم شويه التصريحات دي وقولي سمعتهم قبل كده ولا لا:
“العملية الانتخابية تسير بسلاسة”.
“إقبال كثيف من كبار السن”.
“الشباب يضرب المثل في الوطنية”.
“السيسي هو الضمانة الوحيدة للاستقرار”.

عزيز المواطن لو في يوم سمعت التصريحات دي فأكيد أنت عارف احنا فين دلوقتي وعارف ان بسبب التصريحات دي وضعنا بقا فين.

مجلس الشيوخ المصري: الديمقراطية على الطريقة المصرية

في بلاد العالم، الديمقراطية بتقوم على التعددية، الحريات، فصل السلطات، ومجتمع مدني مستقل، أما في مصر، الديمقراطية طريقتنا فيها غير، فيها لمسة بلدي، فيها ذكاء اجتماعي أصيل.

الديمقراطية عندنا تبدأ من فوق: نحدد الأول مين اللي الدولة عايزاه، بعد كده نخلق له خصوم “للمشهد”، وغالبًا يكونوا جيراننا الطيبين اللي في الحزب التاني، بس من نفس المكتب.

بعدين نعمل شو إعلامي:
مذيع يقولك “نزول تاريخي، وتقارير بتقول الشعب يختار وفي الخلفية صورة لأي لجنة وعد يا عداد. 

الديمقراطية عندنا مش عايزة مفاجآت، يعني لو دخل مرشح مش من بتوع الدولة المعتمدين، نعتبره كائن مريب، ولو الناس نزلت كتير زيادة عن اللزوم، نبدأ نقلق شويه ونخاف، والمفروض المواطن ينزل يشارك في انتخابات مجلس الشيوخ المصري وهو فاهم كويس إن اللي هيكسب معروف، بس برضه يشارك علشان “الشكل”، وعلشان يثبت إنه بيحب مصر، لأنك لو ما انتخبتش، تبقى إخواني وتعالى نتحاسب بقاا!

ولو انت من محبّي المفاجآت، فالديمقراطية المصرية مش هتعجبك خالص.
هنا كل حاجة متظبطة على المقاس، النتيجة محسوبة والنسبة متوقعة يعني حتى المنافس بيكون عارف ترتيبه من قبل ما يترشح، وبيقولها بصراحة: “احنا بس بنشارك علشان الصورة تطلع حلوة” وسلامي للأستاذ عبد السند حمامة. 

في دول العالم، الانتخابات بتحدد مصير السلطة إنما عندنا الانتخابات بتؤكد إن مفيش سلطة تتهز.
هي آلية تأكيد، مش آلية تغيير، أنت مش بتختار أنت بتبارك أنت مش بتقرر أنت بتوافق وبالمرة أنت مش بتمارس حقك، أنت بتمثل وطنك في لقطة مهمة.

والأهم من ده كله، إن الديمقراطية عندنا “قابلة للتعديل حسب توجيهات المرحلة”:لو الشعب زهق من الانتخابات، نأجلها، لو الشعب ما زهقش، نعمله كل شويه انتخابات. 

الديمقراطية هنا مش فكرة دي عدّة شغل، نطلّعها وقت اللزوم، ونرجّعها المخزن أول ما نخلص التصوير.،وكل مرة نلبس نفس البدل، ونطبع نفس اليفط، ونقول نفس الكلام:
“إنجاز، نزاهة، وعي شعبي”،

والنتيجة؟
هي هي، زي كل مرة، ديمقراطية بطابع مصري

 الانتخابات بلا منافسة.. أضمن وأسهل

ما أجمل الانتخابات حين لا تحمل مفاجآت، ما أجمل الصناديق حين تعرف مسبقًا اسم الفائز، في بلاد الغرب التعيس، المرشحين بيتخانقوا، بيفضحوا بعض، بيكشفوا ملفات بعض.
لكن عندنا؟ لا خناقة، لا اختلاف، لا برامج حتى.

كل مرشح برنامج واحد:
“أنا مرشح الدولة، ولازم أكمّل المسيرة”.
والمسيرة دي بالمناسبة هي حاجة محدش فاهمها، بس لازم نكمّلها برضه.

في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، المنافسة كانت محصورة بين عضو سابق بالحزب الوطني، وعضو حالي في “مستقبل وطن”، وعضو له صلة قرابة بأحد قيادات المحافظة، وثلاثتهم بيسلموا على بعض في الصورة الجماعية.

يعني حتى اللي خسر، طلع اسمه في مجلس إدارة شركة مقاولات وطنية تاني يوم.
الانتخابات بلا منافسة بتريح الكل:
الدولة مطمنة، المواطن مش محتار، والإعلام بيشتغل بدون صداع.

النتيجة النهائية: مصر فازت كالعادة

مصر لا تخسر، مش في الكورة، ومش في الحرب، وبالتأكيد مش في الانتخابات.
حتى لو في 90% من الشعب مش فاهم هو بينتخب إيه بالضبط، تفضل النتيجة دايمًا هي:
“مصر أثبتت للعالم أنها قادرة على ممارسة الديمقراطية”.

النتائج تظهر في نفس اليوم
الفائزين كلهم لهم خلفيات أمنية مشرفة، أو على الأقل صلة نسب بـ”جهات”.
واللي كانوا ناويين يراقبوا أو يطعنوا، تم استقبالهم بحفاوة في جهة غير معلومة، وتم إقناعهم بـ”المصلحة العامة”.

وفي النهاية، يطلع المذيع تامر أمين، أو نشأت الديهي، يقول:
“الشعب المصري لقّن العالم درسًا جديدًا في الوطنية”
ثم يختم بابتسامة ويضيف:
“شكراً سيادة الرئيس على هذه الانتخابات النموذجية”.