5 مميزات للغاز الإسرائيلي لا تراها لأنك أعمى القلب والنظر

في صفقة تاريخية، وقّعت مصر وإسرائيل عقدًا لتوريد الغاز الطبيعي بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040. الاتفاق يشمل 130 مليار متر مكعب على مرحلتين: الأولى في 2026 بـ20 مليار متر مكعب، ثم الباقي بعد إنشاء خط أنابيب جديد من معبر نيتسانا. صفقة ضخمة، يقول المعارضون إنها خيانة وتطبيع، بينما أنت – نعم أنت – لا ترى المزايا العبقرية التي تراها القيادة، لأنك أعمى القلب قبل أن تكون أعمى البصر.
1- كده كده هنولّع فيه!
ربما تتساءل بجدية: هل يجوز شرعًا شراء الغاز من الاحتلال؟ لا تقلق نفسك بالفتاوى، فالأمر لا يخرج عن احتمالين. إن كان حلالًا، فقد استفدنا به في تشغيل بيوتنا ومصانعنا، وإن كان حرامًا، فقد أرحنا ضميرك بحرقه كاملًا حتى لا يبقى منه شيء.
في الحالتين، نحن نرسل رسالة واضحة: لن نترك الغاز المحتل في باطن الأرض ليستمتع به العدو، بل سنحوله إلى لهب ودخان، ونتنفسه نحن بأنفسنا، لأن هذا – في منطقنا – أرحم من أن يبقى لديهم.
2- ضمانة لبقاء البلد مستقرة!
ربما تتوهم أن الغاز الإسرائيلي مجرّد سلعة تُشترى وتُستهلك، لكن الحقيقة أنه بمثابة بوليصة تأمين سياسي، أو بالأحرى “عقد زواج” استراتيجي مع ضمانة أمريكية. فحين تبرم اتفاقًا بهذا الحجم مع إسرائيل، فأنت لا تشتري غازًا فحسب، بل تشتري رضا البيت الأبيض، وتشتري صمت العواصم الغربية عند الحاجة، وتضمن بقاء الحلفاء في صفك مهما حدث داخليًا.

القيادة تعرف أن الاعتماد على إنتاجنا المحلي – الذي يتراجع في الحقول الكبرى مثل “ظُهر” – يجعلنا عرضة لأزمات متكررة، بينما الغاز الإسرائيلي يربطنا بسلسلة ذهبية لا يمكن كسرها، تضمن استمرار النظام كما هو، حتى لو تحوّل المواطن نفسه إلى بطارية تُشحن وتُفرغ على إيقاع انقطاعات الكهرباء.
هكذا يصبح الغاز الإسرائيلي أداةً لحفظ “الاستقرار”؛ استقرار السلطة لا استقرار الفاتورة، وثبات الكرسي لا ثبات التيار الكهربائي.
3- غاز فلسطيني بالأساس!
قد تقول بثقة المحلل السياسي إن هذا الغاز مسروق من بحر غزة، وأننا بصفقة شرائه نبارك سرقة الاحتلال. لكن الحقيقة لو أعملت عقلك قليلًا وتخلّيت عن شعاراتك الرومانسية أننا بذلك نستعيد حقّنا التاريخي بطريقة مبتكرة لم تخطر حتى على بال خبراء الأمم المتحدة. نحن ببساطة نشتري المسروق من اللص نفسه، ثم ننقله بأنفسنا إلى أرضنا، لنستهلكه في بيوتنا ومحطاتنا، وكأننا نحرّره بالحرارة ونُعيده إلى حاضنته الطبيعية… أنابيبنا وفواتيرنا.
الإعلام الرسمي سيهمس في أذنك ليل نهار: هذا الغاز فلسطيني الأصل، وهذه الصفقة ليست تطبيعًا بل عملية “استرداد مدفوع الثمن”، ونحن ندفع الغالي والنفيس لاسترجاعه، كما يدفع الأب فديةً ليفكّ أسر ولده المخطوف. لكن الفارق هنا أن الولد، بعد أن ندفع فديته، لا يعود إلينا ليجلس في حضن أمه وسط الزغاريد، بل يُقتاد مباشرةً إلى بطن محطة كهرباء، حيث يُحرق حتى الرماد، وينثر معه أطنانًا من العوادم في هواء المدن والقرى، في مشهد يليق بخاتمة تراجيدية كتلك التي نعيشها منذ سنوات.
وبهذه الطريقة العبقرية نكون قد حققنا هدفين نبيلين في آن واحد: أوّلًا، إراحة الاحتلال من عناء تخزين الغاز في حقوله، وثانيًا، إراحة رئات المواطنين من أي شعور بالصفاء أو النقاء. فنحن لا نكتفي بردّ الحق إلى أصحابه، بل نضيف لمسة إبداعية: نحرق الحق، نستنشق دخانه، ونسجّل ذلك كإنجاز وطني في نشرات الأخبار المسائية.
4- فتح مخك.. دا ذكاء اقتصادي!
تذكّر معي، أو على الأقل حاول أن تسترجع مشهد ذلك اليوم في عام 2018، حين وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الكاميرات، وبجانبه كبار المسؤولين، ليعلن بصوت الواثق الذي لا يعرف التردّد أنّ مصر قد حقّقت “الاكتفاء الذاتي من الغاز”. يومها، امتلأت الشاشات بالابتسامات، وتسابقت الصحف في نشر العناوين الاحتفالية، وأحسّ المواطن – لوهلة – أنّه على وشك أن يستيقظ صباح الغد ليجد قارورة الغاز توزَّع مجانًا مع جريدة الصباح. أنت صدّقت الرواية، وربما جلست في المقهى تشرح لصاحبك أن مصر باتت على أعتاب عصر جديد، وأننا سنصدّر الغاز للعالم بأسره، وسنصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، بينما الدول الأخرى ستحسدنا على وفرة مواردنا.
لكن ما لم تكن تعلمه أن القيادة كانت تتحرّك بخطة أكثر “ذكاءً” مما يتصوّره عقلك البسيط. فبدلًا من الاكتفاء بما لدينا، قررنا أن نمنح مياه شرق المتوسط مزيدًا من “روح التعاون الدولي” عبر ترسيم الحدود البحرية بطريقة سمحت لإسرائيل بأن تمدّ حدود حقولها حتى تدخل على مناطق كانت – قبل أيام قليلة – جزءًا من مياهنا الاقتصادية. هذه الخطوة، التي بدت للبعض تنازلاً، لم تكن إلا استثمارًا طويل الأمد: نسمح لهم بالتوسّع، ونترك لهم الحقول، ثم نعود بعد سنوات قليلة لنشتري منهم الغاز نفسه بالمليارات، وبعقود طويلة الأجل، حتى عام 2040، وبشروط تمليها الشركات المالكة لا أحلام المواطن.
وهكذا، تحوّل ما كان “مكسبًا” إلى “فرصة اقتصادية جديدة” على طريقة الإدارة الحديثة: خسارة الشيء أولًا، ثم دفع ثمنه ثانيًا، مع الترويج للعملية على أنها نموذج للإبداع في التفكير. لقد أثبتنا للعالم أننا شعب قادر على إعادة شراء موارده بلا خجل.
5- إحياء الوطنية في الشارع!
قد تعتقد أن توقيع صفقة بهذا الحجم مع الكيان المحتل، في ذروة أزمة الكهرباء، خطأٌ سياسي فادح، لكنك مخطئ. إنها وصفة مثالية لإبقاء الشارع حيًّا بالغضب. فكلما زاد التطبيع العلني، كلما امتلأت مواقع التواصل بالجدل، وعاد المواطنون إلى المقاهي يتجادلون بحرارة، في مشهد يثبت أن الوطنية لم تمت بعد، حتى لو كان وقودها قادمًا من إسرائيل.
القيادة تدرك أن الغضب الشعبي لا يجب أن ينطفئ تمامًا، لذلك تمنحه بين الحين والآخر دفعات صغيرة: سفارة جديدة، أو تصريح مستفز، أو صفقة غاز بمليارات، حتى يبقى الناس متيقظين لكن بلا أي أثر فعلي على مسار السياسة. غضب مسيطر عليه، كالنار تحت القدر، يكفي لتسخين المشهد دون أن يفور.
الخلاصة
وهكذا، يتضح أنّ صفقة الغاز الإسرائيلي ليست مجرد اتفاقٍ اقتصادي عابر، بل منظومة متكاملة من الفوائد الاستراتيجية التي لا يدركها إلا أصحاب البصائر النافذة: فهي ضمانٌ لاستقرار الحكم، واستردادٌ مبتكر للحقوق المسلوبة عبر ألسنة اللهب، وإعادة تعريف لمفهوم “الاكتفاء الذاتي” بما يلائم متطلبات العصر، وإمدادٌ مستمرّ لنبض الشارع بجرعات محسوبة من الغضب، وحسمٌ فقهيّ عمليّ لمسألة الحلال والحرام عبر الاحتراق النهائي. ومن لم يرَ في كل ذلك إلا أرقامًا وفواتير بعد كل الكلام والنقاط دي، فليعلم أنّ العمى الحقيقي ليس في البصر وإنما في القلب إلهي تتشك فيه يا بعيد!