كامل الوزير يدعو المرور لاستغلال الموسم الذهبي لعودة المدارس وتسجيل مخالفات بالهبل أمامها

كامل الوزير

كعادته في تحويل أي أزمة إلى “فرصة استثمارية”، خرج كامل الوزير ليعلن أن عودة الدراسة ليست مجرد حدث تعليمي، بل “موسم ذهبي” لوزارة الداخلية وإدارات المرور، موسم أشبه بالمولد الشعبي الذي ينتظره الباعة كل عام، لكن البضاعة هنا ليست حلوى ولا لعب أطفال، بل غرامات جاهزة تُفرَض بالجملة على أولياء الأمور. فبينما تنشغل الأسر بتهيئة أطفالها واستعدادهم للدروس وشراء الكشاكيل والزي المدرسي، تنشغل الحكومة بالبحث عن الجيوب التي يمكن تفريغها صباحًا أمام بوابات المدارس.

الخطاب الرسمي لم يتحدث عن خطط لتخفيف الزحام، ولا عن مواقف سيارات مؤقتة، ولا حتى عن إجراءات لحماية أرواح التلاميذ الذين يسقطون تحت عجلات الميكروباصات يوميًا، بل الحديث كله كان عن “كيفية تحويل المشهد إلى دفتر غرامات متحرك”. 

الوزير خاطب العساكر بلهجة عسكرية واضحة: “اللي يقف قدام مدرسة، حتى لو دقيقة، ما يطلعش من غير مخالفة”. الجملة تحولت إلى ما يشبه النشيد الصباحي لعساكر المرور، يردّدونها كل يوم مع طلوع الفجر، وكأنها أوامر معركة حقيقية، لكنها معركة ضد ولي الأمر لا ضد الفوضى.

المشهد بات أشبه بموسم حصاد سنوي، لكن بدلًا من حصاد القمح أو الأرز أو حتى العنب، نحصد جيوب أولياء الأمور. السيارات المتوقفة أمام المدارس لم تعد مجرد وسيلة لنزول طفل آمن، بل تحولت إلى “محاصيل نقدية” تنتظر أن تُقطف بالدفاتر والأقلام.

المواطن الذي كان يحلم أن يجد أمام مدرسة ابنه شرطيًا يساعده على عبور الطريق، وجد بدلًا من ذلك شرطيًا يكتب له مخالفة ويطلب منه “التوقيع هنا”. وبذلك أصبحت العودة للمدارس بالنسبة للأهالي مناسبة ذات طابع مزدوج: الطفل يدخل ليتعلم القراءة والكتابة، والوالد يدخل في درس عملي جديد عنوانه “كيف تتعلم الدولة طرق التحصيل الحديثة”.

المخالفات دي تلزمني 

لم يكتفِ كامل الوزير بسطوته على القطارات والطرق والكباري والأنفاق، بل بدا وكأنه يخطط لضم مصدر دخل جديد إلى إمبراطوريته المالية، فاقترح ـ في نبرة لا تخلو من زهو ـ أن تُحوَّل حصيلة المخالفات المرورية إلى وزارة النقل مباشرة، لا إلى وزارة الداخلية كما جرت العادة. 

وبرر الوزير الوزير ذلك بمنطق تجاري فاقع: “فالطرق والكباري من إنجازات وزارتي، وأنا الذي بنيت الأسفلت بالحجر والحديد، ومن الطبيعي أن تكون الغرامات التي تُحصَّل على هذه الطرق من نصيبي”. 

بدا الأمر وكأنه مناقشة حول تقسيم الغنائم في سوق عام، لا إدارة منظومة دولة. الداخلية تحتفظ بما تجنيه من الرخص والكمائن والورقيات، بينما النقل تريد أن تضع يدها على كنز “الركن في الممنوع” و”المشي عكس الاتجاه”.

وبهذا يجد المواطن المسكين نفسه الطرف الوحيد غير الممثل على الطاولة، أشبه بسلعة يُتداول ثمنها بين الوزارتين. مرة يُعتبر دخلاً للداخلية، ومرة يُسوَّق كإيراد للنقل، وفي كل الحالات لا يُنظر إليه كإنسان بقدر ما يُعامل كدفتر شيكات يسير على قدمين. 

المخالفة التي كانت في يوم من الأيام وسيلة ردع أو محاولة بائسة لتنظيم المرور، صارت اليوم غنيمة مالية تُسجَّل في دفاتر الإيرادات، وتُحسب في موازنات الوزارات كما تُحسب عوائد شركات الاستثمار.

ينصر دينك يا أستاذ كامل 

وكالعادة، لم يتأخر الإعلام الموالي في تحويل الفكرة إلى “فتح مبين”، فخرجت البرامج المسائية لتتغنّى بعبقرية الوزير. أحد المذيعين قال: “ينصر دينك يا أستاذ كامل اللي عملته هو ابتكار اقتصادي غير مسبوق، انت حوّلت الفوضى إلى استثمار”. 

مذيعة أخرى ذهبت أبعد حين وصفت المخالفات بأنها “مورد قومي ثابت، مثل قناة السويس أو الغاز الطبيعي”، مضيفة: “الطالب يتعلم في الفصل، والوالد يموّل في الشارع.. تكامل رائع بين التربية والاقتصاد”. 

المواطن، من جانبه، لم يجد سوى السخرية ملاذًا، فكتب على فيسبوك: “ابني رجع يحفظ جدول الضرب، وأنا رجعت أحفظ جدول الغرامات” بينما علف آخر بمرارة: “لو المدارس موسم حصاد علمي، فهي عند الحكومة موسم حصاد مالي”.