بشرى لكل حزينة.. أخيرًا بقى ليكي مطرح في شقق الإسكان الشعبي

شقق الإسكان الشعبي.. في خطوة وصفتها الصحف الرسمية بأنها انتصار جديد للعدالة الاجتماعية وتجسيد عملي لشعار الجمهورية الجديدة ترعى الجميع، أعلن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مبادرة الإسكان الشعبي الأضخم في تاريخ مصر، تحت عنوان يحمل من الإنسانية ما يكفي ومن البيروقراطية ما يزيد: “شقة لكل مواطن.. بس للي يستحق فعلاً”. القرار، الذي انتظره ملايين المصريين بفارغ الصبر، جاء كإجابة متأخرة لسؤال ظل معلقًا في أذهان الطبقات الكادحة لسنوات: متى يجد الفقير مكانًا يأويه؟ متى يتحول الحلم إلى عقد تمليك؟ ومتى تتبدل مقولة المثل الشعبي العتيق: جت الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح؟ اليوم، ومن قلب العاصمة الإدارية، أعلن السيد الرئيس رسميًا أن كل حزينة أصبح لها مطرح، تفعل به ما بدا لها.. تفرح، تحزن، ترقص، هي حرة .
شقق الإسكان الشعبي.. شروط بسيطة
الحصول على شقة في المبادرة ليس بالأمر الهين، فالدولة، بحكم حرصها على توجيه الدعم لمن يستحق، وضعت مجموعة من الشروط التي تعكس حجم الجدية والالتزام المطلوب من أي مواطن يحلم بالسكن الكريم.
الشرط الأول: ضرورة وجود واسطة معتبرة من أحد أصحاب الرتب السيادية، ويفضل أن يكون من القوات المسلحة أو الشرطة، مع إرفاق شهادة حسن سير وسلوك من الطرف الوسيط تفيد بأن المتقدم من المواطنين “المضمونين” وذوي الخلفية الوطنية النقية.
الشرط الثاني: تقديم ملف توثيقي يتضمن صورًا للمتقدم أثناء مشاركته في الفعاليات الوطنية الكبرى، خاصة تلك التي تتضمن مظاهر البهجة الشعبية مثل الرقص أمام اللجان الانتخابية أو حمل لافتات دعم السيد الرئيس خلال المؤتمرات والمسيرات.
الشرط الثالث: سجل رقمي نشط يثبت الولاء الرقمي. يجب أن يكون للمتقدم ما لا يقل عن 30 منشورًا خلال العامين الماضيين على منصات التواصل الاجتماعي تتضمن عبارات تأييد للسياسات الاقتصادية، دعم لمشروعات البنية التحتية، مشاركة في حملات “تحيا مصر”، وعدم وجود أي منشور سابق يشير إلى انتقاد الأسعار أو أزمة الدولار.
الشرط الرابع: الأفضلية لمن لديه طفل واحد على الأقل يحمل اسم “عبدالفتاح” أو “سيسي”، أو من يمكنه تقديم تعهد موثق من الشهر العقاري بتسمية المولود القادم بهذا الاسم. الشرط الخامس: اجتياز المقابلة الشخصية التي تتضمن اختبارًا في سرعة ترديد الشعارات الوطنية، ومستوى التأثر عند سماع أغنية “قالوا إيه علينا دول”، مع تقييم شامل لمدى قدرة المتقدم على إظهار الرضا التام عن الظروف المعيشية، أياً كانت.
شقق الإسكان الشعبي.. شقة وأمل وحركات
الشقة الموعودة ستكون بمساحة تبدأ من 50 مترًا، وقد تصل — في حالات نادرة لا تتكرر إلا كل خمس خطط خمسية — إلى 70 مترًا كاملة، بمباركة من لجنة السياسات السكنية وتوصية من الأجهزة الرقابية العليا. أما عن التشطيب، فالدولة تُفضّل تمكين المواطن، فتُسلم الوحدة على الطوب الأحمر، إيمانًا منها بمبدأ “إنت تعمل لنفسك بنفسك”، مع تشجيع حار على استخدام منتجات محلية مثل سيراميك أبو العِرّيف وأبو غلّاية، دعماً للصناعة الوطنية. نظام السداد مرن جدًا، يبدأ من 25 سنة وينتهي غالبًا بعد 40 سنة إذا كُتب للمواطن طول العمر، مع فائدة متغيرة بشكل إبداعي حسب عدد مرات رفع أسعار البنزين، أو سعر الدولار في السوق الموازي، أو مزاج وزير المالية في ذلك الأسبوع. أما تسليم الوحدة، فهو قصة أخرى، إذ يرتبط بخطة الدولة التنموية الشاملة، ومدى استقرار معدلات النمو، وتحقيق المستهدف من مشروع “الانضباط الوطني”. كل ذلك يجعل الجدول الزمني شديد الليونة، مفتوحًا على كل الاحتمالات، ويُنصح المواطن باصطحاب كيس صبر زائد، وتدريب نفسي مسبق على انتظار طويل قد يمتد أكثر من انتظار المواصلات في موقف العاشر.
تطبيل بنكهة سيادية
وكالعادة، لم يتأخر الإعلام الوطني في التفاعل مع الحدث. البرامج الحوارية خصصت حلقاتها لمناقشة روعة المبادرة، المذيعون تنافسوا في مدح القرار، والأغاني الوطنية عادت لتملأ الفواصل الإعلانية بألحان من نوعية “بلد الأمن والأمان وسكن لكل إنسان”. أحمد موسى خرج يؤكد أن مصر بتثبت كل يوم إنها الحضن الدافي لأبنائها، بينما نشأت الديهي شدد على أن اللي مش عاجبه يراجع وطنيته، أما المجنس السعودي عمرو أديب فدخل الموضوع من زاوية فلسفية مؤكدا أن الحق في السكن لا ينفصل عن الواجب في الدعم والتأييد السياسي لسمو ولي العهد محمد بن سلمان.
كلمة أخيرة
وهكذا، بعد سنوات من الانتظار، صار لكل حزينة مطرح. بشرط أن تكون حزينة بمواصفات قياسية، تؤمن بالدولة، وتبتسم وقت التقسيط، وترقص وقت الانتخابات، وتدفع وقت الاستلام، وتحمد ربنا في كل الأحوال. في النهاية، الشقة مش بس أربع حيطان وسقف. الشقة في الجمهورية الجديدة تمنح للمواطنين الصالحين فقط، بعد إثبات الولاء الكامل، بالقول والفعل والهاشتاج. ولأن السكن في الجمهورية الجديدة ليس حقًا بل مِنحة وطنية، فإن الجهات المختصة تطالب كل متقدم بملف إنساني متكامل، يتضمن خطاب شُكر مسبق للرئيس، وصور مشاركته في أي موكب مؤيد، ويدافع ويبرر ويطبل حول أي سؤال عن جدوى الكباري أو العاصمة الإدارية، وغيرها من المشروعات التنموية العظيمة جدا التي لا يعي فائدتها الجهلة والخونة وأتباع الإخوان وعبدة الشيطان وغيرهم أما أولئك الحزانى الحقيقيون، الفاقدون للأمل، الباحثون عن مأوى دون أن تكون لديهم حسابات فيسبوك ممجدة، أو صور في لجان الانتخابات، فهم خارج المعادلة. هؤلاء ينصحهم البرنامج السكني الرسمي ببدائل مرنة، مثل الاستئجار في أطراف أطراف أطراف المدن الجديدة، أو الانضمام لمبادرات “عِش عاديًا” التي تؤمن بأن الصبر فضيلة، وأن المواطن الجيد هو الذي لا يسأل كثيرًا، ولا يسكن كثيرًا، ولا يتنفس كثيرًا.