من السيسي إلى الإعلام المصري.. طبّل تسلم! 

خالد أبو بكر والإعلام المصري

في لحظة فارقة من عمر الجمهورية الجديدة، حيث تخطو مصر خطواتها الواثقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وطمأنينة، تتبدل المفاهيم وتتجدد الوظائف، لا سيما في المؤسسات ذات الطابع الحيوي كالإعلام.

ومع كل هذا الحراك الوطني الواعد، يصبح من غير المنطقي أن يبقى الإعلام أسيرًا لمفاهيم عتيقة مثل “النقد”، أو “المحاسبة”، أو “الرقابة الشعبية”، فهذه المصطلحات، وإن كانت جزءًا من قاموس ما قبل الجمهورية الجديدة، إلا أنها اليوم تُعتبر طاقات سلبية قد تعطل حركة التطوير، وتعيق مسيرة الإنجاز.

هنا يأتي دور الإعلام الوطني الجديد، لا كمرآة تعكس الواقع بكل ما فيه، بل كستارة حريرية تُزيّن المشهد، وتُلطّف الرؤية، وتُهدي المواطن لحالة وجدانية أكثر صفاءً، لم يعد الإعلام في مصر هو المنصة التي تُطرح فيها الأسئلة المحرجة، بل أصبح المنبر الذي تُعزف عليه أنغام الطمأنينة، ويُقرع فيه دف الأمل.

وفي هذا السياق الناضج، ظهر الإعلامي خالد أبو بكر، ليعلنها بلا مواربة:
“عارفين مشاكل بلدنا، بس الإعلام مش دوره يجلد”
تصريح لم يكن مجرد جملة عابرة، بل خارطة طريق كاملة لإعلام الجمهورية الجديدة، حيث لا مكان للصوت العالي، ولا جدوى من الاستفهامات المقلقة، بل طبل بلدي أصيل مضبوط على نغمة وطنية خالصة.

وبينما تحتفي الدولة بمنجزاتها، وتخطط للمزيد، بات من واجب الإعلام أن يُجيد الرقص على إيقاع النجاح، لا أن يعترض على النوتة.

خالد أبو بكر

الإعلام المصري.. تطبيل لا تجريح

في الأزمنة القديمة كان الإعلام يُشبه طبيبًا يفتح الجرح ليُعقّمه، أما في الجمهورية الجديدة، فقد تغيّرت المدرسة الطبية الإعلامية، وأصبح الهدف ليس فتح الجرح، بل تغطيته وتدليك المريض بالكلمة الحلوة حتى ينسى ألمه، لم يعد الإعلام مجرد ناقل للوقائع، بل صار نوعًا من العلاج النفسي الجمعي، يُساعد المواطن على التعايش مع الواقع.. لا تغييره.

فالجلد، ذلك السلوك العنيف إعلاميًا، أصبح سلوكًا بدائيًا لا يليق بعصر الرقمنة وبناء العواصم الجديدة والكباري والطرق الحديثة.
ثم أن هناك سؤالًا هام.. لماذا نُجلد الدولة والمسؤول والمواطن موجود؟
لماذا نستخدم “الانتقاد” بينما يمكننا ببساطة أن “نلقي اللوم على المواطن وينتهي الأمر 

و في هذا السياق صرّح الدكتور محمد الباز أستاذ الإعلام الموازِي في جامعة القاهرة: “الإعلام اللي يجلد ده إعلام مؤذٍ نفسيًا المسؤول محتاج يسمع إن هو عظيم ومفيش زيه عشان تقدر تطلع منه شغل ، المسؤول محتاج لحاجة اسمها التطبيل العلاجي.” 

وفي هذا الإطار، تحوّلت البرامج السياسية إلى حصص تحفيز معنوي، تُوزّع خلالها عبارات مثل “إحنا أحسن من سوريا والعراق”، أو “شوف الدول التانية مش لاقيين زيت”، أو مثلا مالكهربا بتقطع في فينزويلا عادي ، وسنترال رمسيس بتاع فرنسا ولع ومحدش فتح بوقه هناك، كل دي نقدر نعتبرها مسكّنات فكرية تُساعد المواطن على اجتياز الواقع دون وجع.

في الجمهورية الجديدة.. المدح أولًا

منذ الإعلان عن الجمهورية الجديدة، لم تعد أولويات الخطاب الإعلامي كما كانت، لم يعد المطلوب هو كشف القصور، ولا تتبع الإخفاق، ولا حتى تقديم أسئلة محايدة من نوعية “لماذا ارتفعت الأسعار؟” أو “أين اختفى الدعم؟”. في الجمهورية الجديدة، المدح أولًا… والباقي ييجي بعدين، أو ما يجيش خالص.

فالصحافة لم تُخلق للمساءلة، بل للمساندة، وفي هذه الرؤية المتقدمة، يكون المديح هو السبق، والتطبيل هو المانشيت، والإنبهار هو الخط التحريري العام.

و في هذا الصدد صرّح الإعلامي حلمي طبلة – رئيس تحرير جريدة “صوت الدولة” – قائلًا:”زمان كنا نقول الصحافة مرآة المجتمع، دلوقتي بقينا نقول: الصحافة صوت المسؤول والمهم نخلي الصورة تطلع حلوة مهما حصل ورا الكواليس.”

وبحسب دراسة حديثة صادرة عن “المركز الوطني لتحسين الصوت الإعلامي”، فإن 87% من المذيعين المصريين في الجمهورية الجديدة يرون أن المديح يعزز الانتماء، و73% يعتقدون أن النقد يؤثر على مناخ الاستثمار، بينما اعتبر 100% من الضيوف المكررين في البرامج أن “اللي مش بيطبل، بيخدم أجندات خارجية”.

وتنص المادة الأولى من “مدونة السلوك الإعلامي للجمهورية الجديدة” على ما يلي:
“يمتنع الإعلامي عن استخدام نبرة تشكّك أو تعبير وجه حائر أثناء الحديث عن أي مشروع قومي، ويُفضَّل أن يبتسم ابتسامة دافئة عند ذكر اسم الرئيس، وإن استطاع البكاء – دون تكلف – فله حوافز مادية خاصة.”

خالد أبو بكر: لا تسأل.. طبّل!

في زمن تتوارى فيه المواقف خلف أقنعة الغموض، خرج الإعلامي خالد أبو بكر ليحسم الجدل، لا بخجل بل بوضوح يليق بمرحلة “صدق الطبلة”. الرجل لم يراوغ، لم يزعم أنه حيادي، لم يتغنَّ بشعارات مستهلكة مثل “الإعلام الحر” أو “الضمير المهني” أو “السلطة الرابعة”. بل قالها صريحة مدوية:
“الإعلام مش دوره يجلد.. دوره يطبل.”

وهنا، لا بد أن نمنحه ما يستحقه من احترام. فخالد، بخلاف زملائه الذين يطبلون وهم يزعمون أنهم ينقدون، اختار أن يطبل وهو يفتخر بذلك، لم يقل إن التطبيل خيار، بل فرض عين، لم يدّعِ أن الإعلام ينقل الحقيقة، بل قال الحقيقة..

وحين سأله البعض عن المهنية، أجابهم بتلك النبرة الفلسفية: “المهنية؟ أيوه..ماهو لما أطبل لبلدي يبقى دي أقصى مراحل المهنية. 

في أحد برامجه، كان يسير على خطى المدرسة التمجيدية العريقة، فقال:”أنا مش ببالغ، بس السيسي بيشتغل أكتر من ثلاث رؤساء مجتمعين.”
ويختم كلامه:
“اللي مش شايف، عنده مشكلة في عينه.. أو في ضميره.”

الخاتمة: طبّل تسلم

في الجمهورية الجديدة، القيادة لا تكتفي بتوجيه السياسات والقرارات فحسب، بل تمتد يدها لتصوغ المشهد الإعلامي كاملاً، حيث يصبح التطبيل عنوان المرحلة ، الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعبقريته الفذة، فهم منذ البداية أن الإعلام ليس مجرد مرآة تعكس الواقع، بل أداة رئيسية لصناعة الواقع نفسه، لذلك، من خلال توجيهاته الحكيمة، بات الإعلام الرسمي كأنه آلة طبول عملاقة، تعزف بإيقاع منتظم، يحمي وحدة الوطن، ويعزّز من صورة القيادة بلا كلل ولا ملل.

لم يعد الإعلام منبرًا للنقد والشكوى، بل أصبح أداة “الطبلة الوطنية” التي لا تعرف إلا لغة الثناء، وصوتها الوحيد هو الهتاف والتمجيد، القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية تتسابق على مزايدة الولاء، وتحوّلت برامج الحوار والنقاش إلى مهرجانات مدح جماعية، لا مجال فيها للجرأة أو السؤال المحرج.

السيسي الذي قاد مصر خلال أوقات عصيبة، بنى جداراً من التلاحم بين السلطة والإعلام، حيث يتلقى الإعلاميون “الكورس التدريبي” على فن التطبيل، وكيفية تحويل أي انتقاد إلى نشيد وطني. هكذا، أصبح شعار “طبّل تسلم” هو القاعدة الذهبية التي تحكم كل كلمة، وكل تقرير، وكل تقرير تلفزيوني.

فالإعلام اليوم، وبكل فخر، يتماهى مع نغمة القيادة، ويضرب الطبل بإيقاع واحد: دعم لا متناهي، وحب بلا حدود، وتجاهل تام لأي صوت مخالف.

في النهاية، من القيادة الحكيمة إلى المذيع المخلص، ومن الصحفي الملتزم إلى الناقد السابق، الجميع يتفق على حقيقة واحدة:
في مصر الجديدة، إذا أردت أن تعيش بأمان، فقط طبّل… تسلم.