مصطفى بكري.. عين الدولة في سوق الخضار

مصطفى بكري

في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو الذكاء الاصطناعي، وتبحث فيه أجهزة الأمن العالمية عن تهديدات عبر الأقمار الصناعية والموجات فوق الصوتية والبيانات المُشفّرة، اختارت الدولة المصرية خطًا دفاعيًا مختلفًا أكثر تجذّرًا في التقاليد المحلية: مصطفى بكري، الرجل الذي لا يرى فقط ما خلف الأحداث، بل يشم رائحة المؤامرة. 

مصطفى بكري

مصطفى بكري لا يتحرك بتحليل بيانات أو تقارير مخابراتية عابسة، بل بروح البدوي الذي يشم التراب فيعرف إن كانت هناك دبابة ستعبر الحدود أم لا، هو لا يقرأ تقارير الأمن القومي، بل يقرأ ما بين السطور. 

إنه ليس إعلاميًا، بل جهاز إنذار وطني شامل، ففي واحدة من أكثر التحليلات صراحة وجرأة، أعلن بكري للعالم أن مصر “قلب الخرشوفة“، في توصيف جديد لموقع الدولة في معادلة السياسة الدولية، و في مواجهة أهل الشر كما قال أو كما يقول الرئيس السيسي.

قد يرى البعض أن الوصف غريب، أو أنه ينتمي إلى عالم “سوق الخضار” لكنه في الحقيقة يتسق تمامًا مع الخطاب العام الذي بات يربط أي أزمات داخلية بخيوط المؤامرة الخارجية،  تصريح مصطفى بكري وإن بدى زراعيًّا في ظاهره، إلا أنه يعكس رؤية متكاملة ترى أن ما يحدث من أزمات معيشية واقتصادية ليس مجرد نتيجة لسياسات داخلية، بل جزء من هجمة كونية مُمنهجة، تمتد من خزائن البنوك إلى أسواق الخضار.

ليست المسألة مزاحًا، ولا سهوًا لغويًا، بل منهج تحليلي جديد يُدرج الخرشوف ضمن أدوات فهم السياسة، ويعيد تعريف “موقع مصر المحوري” باعتباره القلب الرقيق الذي تحاول الأمم المتآمرة تقطيعه ورقةً تلو الأخرى.

الخرشوفة.. نظرية الأمن القومي

منذ سنوات، ظلّ مفهوم “الأمن القومي” في الخطاب السياسي المصري حكرًا على قضايا الحدود، والمياه، والاقتصاد، والمعلومات، حتى جاء مصطفى بكري ليعيد تعريف المفهوم من جذوره، واضعًا الخرشوفة في صدارة عناصر الأمن الاستراتيجي للدولة.

ثمرة الخرشوف

في كلمته التاريخية، لم يكن بكري يبالغ، بل كان يؤسّس لمدرسة تحليلية جديدة ترى أن الأمن القومي لا يُفهم فقط من خلال خرائط الغاز أو تحالفات السلاح، بل من خلال موائد الطعام، وقوائم الأسعار، وأرفف الأسواق، فالخرشوف لم يعد مجرد صنف نباتي موسمي، بل تحوّل إلى رمز للضغط الشعبي، ومؤشّر لقياس قدرة الدولة على الصمود في وجه ما سمّاه بكري بـ”الضربات الاقتصادية المنظمة”.

في تصريحٍه فتح أبواب التحليل السياسي الزراعي على مصراعيها، أعلن النائب مصطفى بكري أن “مصر هي قلب الخرشوفة”، واضعًا بذلك مفهومًا جديدًا لمكانة الدولة في الإقليم، لم يكن التصريح زلة لسان، بل كان تعبيرًا دقيقًا عن موقع مصر الاستراتيجي، كما يراه بكري، داخل تركيبة إقليمية معقدة تشبه الخرشوفة من حيث الطبقات والتشابك.

وهنا، تتضح ملامح “نظرية الخرشوفة” التي ترى في أي أزمة سببها وزير أو لاقدر الله الرئيس السيسي فهي بالطبع مؤامرة ممنهجة وبداية لحرب ناعمة تقودها قوى خفية لا تقل خطرًا عن التنظيمات الإرهابية أو أجهزة المخابرات الأجنبية.

بكري لم ينطق من فراغ. فالرجل – كعادته – لا يكتفي بالوصف، بل يصوغ رؤية كاملة، يربط فيها بين ما يجري في الأسواق، وما يُحاك في الغرف المغلقة، ليمنح الخرشوفة تلك المكانة التي لم تنلها في أي أدبيات سياسية من قبل.

مصطفى بكري يُعلن تفاصيل المؤامرة الكبرى

وفقًا لما طرحه النائب مصطفى بكري، فإن ما تواجهه مصر في اللحظة الراهنة لا يمكن فصله عن سياق إقليمي ودولي متشابك، يتجاوز الأزمات الاقتصادية العابرة أو الضغوط المالية المرحلية. نحن أمام استهداف مباشر لموقع مصر في قلب المنطقة، كقوة محورية وصاحبة قرار، أو كما عبّر بكري بـعبارة شديدة الرمزية: “مصر هي قلب الخرشوفة”.

هنا، لا يقف التصريح عند حدود التشبيه الزراعي، بل يتحول إلى مجاز سياسي عميق. فـ”قلب الخرشوفة” هو جوهرها، مركزها، الأكثر ليونة لكن أيضًا الأكثر تعقيدًا وحساسية، تمامًا كما هي مصر في جغرافيتها السياسية، وكل من أراد تمزيق الشرق الأوسط، لا بد أن يبدأ بمصر، وهذا هو جوهر المؤامرة.

مصطفى بكري يرى أن الحملات الإعلامية ضد الدولة والتشكيك المستمر في القرارات السيادية والتلاعب بالرأي العام، ليست سوى أدوات في حرب طويلة تُدار ضد الدولة المصرية، ليس لأنها الأضعف، بل لأنها المستهدفة.

الإلحاح على تصوير مصر كدولة مأزومة دائمًا، أو دولة تفقد دورها، أو تتراجع عن ريادتها، هدفه تفريغ الداخل المصري من ثقته بنفسه، ومؤسساته، وقادته، هذا النوع من الحروب لا يُخاض بالمدافع، بل بالأصوات، والصور، والنكات، والتقارير المُفبركة.

ولذلك، لا بد من التعامل مع الأزمة ليس كأزمة ظرفية، بل كجزء من صراع إرادات دولي، يتطلب من الدولة المصرية وعيًا عميقًا، ومن الشعب المصري تماسكًا أشد، ومن النخب – وفي مقدمتهم بكري – أن يظلوا حراسًا يقظين للوعي الوطني، مهما بدت كلماتهم “غريبة” أو “زراعية” في ظاهرها.

بكري.. آخر الجنود في معركة الوعي

في زمن لم تعد فيه الحروب تُخاض بالسلاح فقط، بل بالكلمة، أصبح مصطفى بكري واحدًا من آخر المدافعين عن الدولة بالميكروفون، ومن القلائل الذين اختاروا أن يخوضوا معركة “الوعي الوطني” من مقاعد البرلمان إلى شاشات الفضائيات، ثم إلى سوق الخضار، دون أن يفقد بوصلته أو طبقة صوته.

ففي كل أزمة، تجد بكري حاضرًا، لا يطلب شهرة، ولا يسعى لرضا الجمهور، ولا يسعى لرضا الرئيس – ولعياذ بالله –  بل يؤدي ما يراه دورًا تاريخيًا لا يحتمل المواربة، وحين قال إن مصر “قلب الخرشوفة”، لم يكن يمزح، بل كان يطلق تحذيرًا استراتيجيًا مغلفًا بالرمز البلدي، لعل من لا يفهم التقارير الأمنية، يقدر ينزل سوق الخضار وهيعرف كل حاجة بنفسه. 

وقد بدأ تأثير بكري واضحًا، ليس فقط على الرأي العام المحلي، بل على الجيل الصاعد من الإعلاميين الشباب، فقد صرّح الإعلامي الشاب لؤي الخطير – في مقابلة تلفزيونية مع برنامج “سوق الكلام” – قائلًا: “أنا بدأت أتابع مصطفى بكري في سن المراهقة، كنت بشوف فيه نوع من الذكاء الإعلامي، هو مش بيقولك اللي تحبه، بيقولك اللي لازم تفهمه”

وأضاف الخطيب، الذي بات يُعرف بين أوساط الإعلاميين بـ”تلميذ بكري”، أن الأخير لا يُقدّم رأيًا، بل يقدّم عقيدة إعلامية، “أستاذ مصطفى بكري مش إعلامي بس، ده مدرسة ، مدرسة بتقولك إنك لو فهمت السوق، تفهم السياسة، ولو عرفت مين بيرفع الأسعار تعرف مين بيحرك الدولار.”

وهكذا، يثبت مصطفى بكري، مرة أخرى، أنه ليس مجرد نائب أو إعلامي، بل جندي في معركة الوعي، فطالما أن الحرب مستمرة، سيبقى هو هناك: يصيح، يحذر، ويشرح الأمور ببساطة قد تزعج النخبة، لكنها تطمئن الناس.