وزير الري للمصريين: منكم لله انتو سبب أزمة سد النهضة!

في مشهد شديد الواقعية، ظهر وزير الري على شاشة التليفزيون في ضيافة الإعلامي الوطن أووي أحمد موسى ، لا ليعلن فشل الدولة في التعامل مع ملف سد النهضة ولا ليعترف بأن إثيوبيا لعبت في وشنا البخت، بل ليقولها بوضوح: “المواطن هو المشكلة، و لو في شح مائي حصلنا بكره الصبح هيبقى بسبب الأطفال اللي كل يوم بيزيدوا”.
فبينما اعتقدنا نحن الغلابة أن السد العالي اتبنى عشان يحمينا من الفيضان والجفاف، اكتشفنا أن سد النهضة الحقيقي هو عدد عيال الحاج سعيد في حواري بلطيم وولاد الحاجة زينب في كفر الشيخ إبراهيم أحد قرى محافظة القليوبية.
وإذا كانت إثيوبيا قد بنت سدًا على النيل، فالمصري – بحسب فلسفة وزير الري – قد بنى جبل من الأطفال ليثقل كاهل الدولة، المواطن أصبح خصمًا رسميًا في معادلة شح المياه أو كما قال وزير الري: “العيال اللي بتتولد دي.. هي اللي جابت العطش”.
وبدل ما نسمع خطابًا سياسيًا عن تقصير المسؤولين في أزمة سد النهضة، أو سؤالًا وجوديًا عن فائدة توقيع السيسي على اتفاقية المبادئ سنة 2015، لقينا الوزير شغال في السجل المدني وبيعد علينا عدد العيال.

الأزمة في التصريح مش بس في مضمونه، لكن في توقيته، يعني بعد سنين من مفاوضات عقيمة وبيانات متكررة عن إن مصر “لن تقبل المساس بحقوقها”، نكتشف فجأة إن اللي مسّ حقوقنا مش السد، ولا آبي أحمد، ولا غياب الردع، لكن أنك خلفت مصطفى وزينب بدل ما تكتفي بكريم!
والسؤال دلوقتي:
لو المواطن هو السبب، طيب فين المسؤول؟
مين اللي فاوض؟ مين اللي وقّع؟ مين اللي قال “اطمنواااااا”؟
ولا المواطن كمان هو اللي كتب اتفاقية المبادئ ياسطى؟
سد النهضة؟ المواطن المصري.. منبع الجفاف
في الدول المتقدمة، تُعتبر المياه موردًا طبيعيًا تُديره الحكومات وتضع له السياسات وتتحمّل مسؤوليته، أما في جمهورية اللوم الدائم على المواطن، فالمصري هو السبب، وهو المدان، وهو المتهم الأول في كل كارثة، والآن.. وبفضل تصريحات وزير الري العبقرية، نكتشف أن المواطن المصري مش بس بيستهلك المياه.. ده هو السبب في عدم وجودها و مش بعيد يكون هو اللي كل الجبنة.
نعم، المواطن العادي، صاحب المرتب اللي مش عارف يكمل بيه لآخر الشهر ، واللى بيكمل باقي عشاه نوم، تحوّل رسميًا إلى مُجفّف طبيعي لنهر النيل، وزارة الري لم تترك له عذرًا، تخيل مثلًا مواطن بريء قرر يملأ البانيو! هنا تتحول الواقعة من فعل نظافة إلى خيانة مائية عظمى.
المواطن، الذي لم يُستشر في اتفاقية، ولم يشارك في مفاوضات، ولم يُطلعوه على خرائط سد النهضة، أصبح فجأة المسؤول عن مصير النيل.
عزيزي المواطن:
إنت سبب انحسار الميّة.
إنت السبب في غلاء الأسعار
وإنت اللي بتحب تستحمّى كل يومين، وكأنك عايش في السويد مش شبرا.
وإنت اللي خلفت أربعة بدل اتنين ( بعيدا عن ولاد الرئيس عشان استثناء )
والأخطر من ده كله إن الحكومة بدأت تروّج لفكرة أن المواطن مش محتاج يشرب، هو بس محتاج يتأقلم على وضع مائي معين.
يعني لو الميّة نقصت، الحل مش إن الدولة تراجع الاتفاقيات أو تضغط دوليًا، بل إن المواطن يقلل الشُرب لربع كباية بدل كوباية كاملة، ويغسل وشه على مرتين في الأسبوع، ويغسل هدومه في المطر و لو المطر منزلش مش لازم يغسل هدومه.
ده مش خيال علمي، ده اتجاه سياسي.
أصبح عندنا مصطلح جديد اسمه “الاستهلاك الواعي” – وده معناه باختصار:
“لو كل واحد استخدم كوباية واحدة يوميًا، هنعدّي.”
“اللي بيغسل عربيته كل جمعة.. خائن للوطن.”
“النضافة نضافة الروح متعملش حويط وتستحمى”
المشكلة مش جديدة، من زمان الحكومة شايفة إن المواطن هو السبب في كل مصيبة.
- الدولار؟ عشان أنت بتشتري.
- السكر؟ عشان أنت بتاكل.
- المرور؟ عشان أنت بتتحرك.
- المياه؟ عشان أنت بتعطش.
ولو حصلت حرب، فهي غالبًا عشان حضرتك بتتفرج على الجزيرة، ولو اختفى النيل بسبب سد النهضة، فده لأنك ما بتحبّش بلدك كفاية، عزيزي المواطن، بدل ما تلوم الحكومة اللي وقّعت الاتفاقيات، حاسب نفسك على تقصيرك تجاه بلدك يا عديم الوطنية.

زيادة سكانية بأوامر إثيوبية
في دولة تعاني من شُح الحقيقة قبل شُح المياه و من أزمة المعلومة قبل أزمة سد النهضة، لا شيء يبدو عبثيًا إذا جاء على لسان مسؤول رسمي، وها هي الحكومة، بكل أذرعها الفكرية والإعلامية، تقدّم لنا كشف حساب جديد:
الزيادة السكانية ليست نتيجة لسياسات تعليمية أو صحية أو اقتصادية فاشلة، بل هي مؤامرة إثيوبية ناعمة!
نعم، لا تندهش يا مواطن.
فكما قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة المصرية أن إثيوبيا لم تكتفِ ببناء سد النهضة على النيل، بل بنت سدًّا آخر في الرحم المصري، استغلت طيبة المواطن، وغفلة الدولة، ومرّرت لنا عبر الهواء أجندة خبيثة:
خَلِّف، والعيل بيجي برزقه.
هذه هي وجهة نظر الحكومة المصرية “اثيوبيا بنت سد النهضة، والمصري بيرد عليه بخلفة توائم.”
“فيه خلل في المعادلة.. هم بيخزنوا الميّة، وإحنا بنخزن عيال.”
“بدل ما ننجب علماء ذرة، بننجب مستهلكين للمياه.”
ولأن الحكومة تؤمن بنظرية المؤامرة كمرجعية إدارية، فهي تلمّح – لا تصرّح – أن إثيوبيا ربما زرعت داخل المصريين فكرة التكاثر العشوائي، ويا حبذا لو تمّ تفعيل “الوعي القومي” في غرفة النوم.
بل وذهب أحد المحللين القريبين من الأجهزة – في جلسة تلفزيونية لا تُنسى – إلى القول إن: “المواطن المصري أصبح جزءًا من أجندة إقليمية لضرب الأمن المائي.. من حيث لا يدري.”
والسؤال هنا:
هل هناك وثائق تؤكد أن إثيوبيا فعلاً أوعزت للمصريين بالتكاثر؟
هل هناك تسجيل مسرّب لمكالمة بين مسؤول إثيوبي وزوج مصري يحثه فيها على الإنجاب؟
بالطبع لا.. ولكن لا حاجة للأدلة عندما تكون “الرواية قوية”.
وفي جمهورية السرد القومي، كل ما يُقال يصبح حقيقة.
خلاصة وجهة النظر الرسمية:
نحن لا نعاني من أزمة مياه.. نحن نعاني من أزمة وطنية وتآمر.
السيسي؟ عمل اللي عليه.. يعملكم إيه يعني؟
السيسي – حسب المنهج الرسمي – عمل اللي يقدر عليه:
- راح ووقّع.
- راح وتفاهم.
- راح وحاول وفشل يعملكم إيه يعني.
هو مش ساحر، مش هيوقف سد النهضة بنفسه يعني وبعدين دي أزمة بقالها سنين والأخوان السبب ( الأستاذ أحمد موسى قالنا كدا )، وحتى لو كان عنده حل، فده مش من حقك تسأل.
كل اللي تقدر تعمله دلوقتي إنك:
- تقلل استهلاك الميّه.
- تقلل استهلاك الكلام.
- وتزيد استهلاك التصفيق.
السيسي مش مسؤول عن المياه، واللي عنده معزة يربطها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
