كمين اقتصادي مُرعب.. السيسي: صفقة الغاز الإسرائيلي خطوة على طريق تحرير فلسطين

في خطاب استثنائي من نوعه، خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الكاميرات وهو يبتسم بثقة القائد الذي يعرف جيدًا ما يفعله، ليؤكد للشعب أن صفقة الغاز مع إسرائيل التي تساوي 35 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040 ليست مجرد اتفاق اقتصادي عابر، بل “ضربة استراتيجية في قلب الاحتلال، وكمين اقتصادي طويل النفس”. وأوضح، بنبرة المنتصر في معركة غير مرئية، أن زيادة الكميات المستوردة ليست دليل ضعف أو تبعية كما قد يظن البعض، بل حركة شطرنج محسوبة بدقة: “بنستورد كتير عشان غازهم يخلص أسرع وساعتها الاحتلال نفسه هيطفّي النور، وهيستورد منّا أو من فلسطين الحرة”.

الإيحاء كان واضحًا: نحن أمام خطة تحرير لا تستخدم البنادق ولا الصواريخ، بل الفواتير والمستندات البنكية، في حرب استنزاف اقتصادية على طريقة “اضرب العدو بفلوسك”.
المشهد كله كان أقرب لحصة تاريخ في مدرسة حكومية، حين يحاول المعلم أن يقنعك أن التراجع في معركة ما كان “خطوة للأمام في الحرب الكبرى”، وأن الخسارة المؤقتة هي انتصار مؤجل. الجمهور صفق بحرارة، بعض الحاضرين دمعت عيونهم تأثرًا بـ”الدهاء الاستراتيجي”، والبعض الآخر ظل يحدّق في السقف وهو يحاول أن يفهم الجملة العجيبة: “إحنا بندفع لهم مليارات… عشان نخليهم ينهاروا اقتصاديًا؟”، قبل أن يبتسم فجأة وكأنه اقتنع، أو على الأقل قرر أن يقتنع، لأن الخطة تبدو أعقد من أن تُسأل عنها.
الإعلام: الرئيس مناضل على طريق حل الدولتين
الإعلام المصري التقط الرسالة فورًا، وتحول الاستوديو إلى ما يشبه ملتقى للمجاهدين القدامى الذين يروون بطولات حرب أكتوبر وكأنها وقعت بالأمس. مذيع شهير وقف أمام خريطة فلسطين التاريخية، وراح يرسم دوائر وأسهماً بعصاه الخشبية قائلاً بحماس: “هذه ليست صفقة غاز… هذه ذخيرة في معركة تحرير الأرض، وأنبوب الغاز ده بالذات أهم من دبابة ميركافا”. مذيع آخر، بابتسامة الواثق، أشار على موقع حقل “ليفياثان” وهو يغمز للكاميرا: “شايفين الحقل ده؟ بعد 2040، مش هيكون موجود وساعتها إسرائيل لو كانت لسه موجودة هتتحايل علينا عشان تستورد مننّا”.
ووسط هذا الطرب النضالي، لم ينسَ أحد الإعلاميين أن يذكّر الشعب بأن السيسي “أكثر من دعم القضية الفلسطينية منذ صلاح الدين الأيوبي“، وأنه “لم ولن يفرط في القدس”، وأن الصفقة في حقيقتها “جسر اقتصادي نحو حل الدولتين”، وكأن الفواتير الموقعة بين القاهرة وتل أبيب هي مقدمة إعلان الاستقلال الفلسطيني.
هنا دخل أحمد موسى على الخط، صوته يعلو حتى يكاد يخرج من شاشة التليفزيون، قائلاً: “يا جماعة ده رئيس بيحارب بطريقته. إحنا مش محتاجين نضرب طلقة واحدة، إحنا بنضربهم في جيبهم!، ده إحنا لو زودنا الاستيراد سنة كمان، هتلاقي تل أبيب بتستلف من بنك التسليف الزراعي”.

أما البوق الشهير لؤي الخطير، فظهر في مداخلة هاتفية، صوته مفعم بالثقة، قائلاً: “إحنا أمام خطة عبقرية لقائد فذ.. الاحتلال متعود على الحصار بالسلاح، لكن أول مرة في تاريخه يتعرض لحصار بالشيكات. وصدقوني، الرصاصة اللي بتيجي من فوهة مدفع بتوجع، لكن الحوالة البنكية بتكسر القلب”.
محدش يقولي الجزائر.. نسيتوا أم درمان!!
بالطبع، ظهرت أصوات جانبية في الشارع وعلى السوشيال ميديا تقول بنبرة اقتراح عقلاني: “طب ما نستورد من الجزائر بدل إسرائيل؟”. الإعلام لم ينتظر حتى تنتهي الجملة، ورد بسرعة البرق وكأنه يرد على مؤامرة: “أنتم ناسيين الجزائر عملت فينا إيه؟!”.
ثم بدأ شريط الذكريات يعود لعام 2009، يوم مباراة أم درمان الشهيرة، حين فاز المنتخب الجزائري وأخرج مصر من تصفيات كأس العالم 2010، تاركًا ملايين المصريين في صدمة كروية ما زالت تُستحضر في نشرات الأخبار حتى اليوم.
أحد المذيعين صاح على الهواء: “إزاي نستورد من بلد حرمتنا من المونديال؟! ده إحنا لسه بنشوف الكوابيس من يومها”، بينما أخذ آخر يشرح للمشاهدين أن “الكرامة الوطنية فوق الغاز وفوق المونديال نفسه”، متجاهلًا تمامًا فكرة أن الكرامة الوطنية نفسها تبدو في إجازة مفتوحة حين يتعلق الأمر باستيراد الغاز من الاحتلال.
البوق الإعلامي لؤي الخطير أضاف لمسته الخاصة مجددا بقوله: “الجزائر ممكن تدينا الغاز، لكن مين يضمن ما يحطوش فيه حاجة تخلي اللعيبة تكسّر تاني في الماتشات”، لتتحول النقاشات من جدوى الطاقة إلى تحليل أهداف منتخب مصر الضائعة في تلك المباراة التاريخية.
ليست صفقة خيانة بل ملحمة تحرير
هكذا، وفي غضون أيام قليلة، تحولت الصفقة التي وصفها البعض بأنها “خيانة وطنية” إلى “ملحمة تحريرية” تُدرّس في نشرات التاسعة، وأصبحت مادة إلهام لكُتاب الأعمدة وأغاني الحماس في الإذاعات الرسمية. المواطن الذي كان يسأل قبل أسبوع عن سبب انقطاع الكهرباء 5 مرات في اليوم، صار يقتنع أن الظلام الذي يغمر شقته ليس عجزًا في الشبكة، بل “تمويه استراتيجي لخداع الاحتلال”، وكأن المصابيح المعطلة جزء من خطة سرية لإرباك العدو.
الإعلام لا يتوقف عن التذكير بأن العقد يمتد حتى عام 2040، وهي سنة يصفها المذيعون والمحللون بأنها “عام الوحدة الكبرى بين مصر وفلسطين”، حيث سيتم – حسب الخطة – استبدال اسم “إسرائيل” في العقد باسم “دولة فلسطين الحرة المستقلة”.
أما حتى يحين ذلك اليوم الموعود، فسيظل الشعب المصري يتنقل بين فاتورة كهرباء تتضاعف كل شهر، وفاتورة غاز تُدفع للمحتل على أنها “استثمار في النصر”. والكل مقتنع – أو على الأقل مُقنع – بأن ما يدفعه اليوم هو ثمن الحرية غدًا، حتى لو لم يرَ ذلك الغد إلا في شريط الأخبار على القناة الأولى.